صدقة جارية للمرحوم/ عبدالله ابراهيم الدخيل » تفسير ابن كثر » سورة البقرة
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) (البقرة) 

هَذَاالَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ وَهُوَ مَلِك بَابِل نُمْرُود بْن كَنْعَان بْن كوش بْن سَام بْن نُوح وَيُقَال : نُمْرُود بْن فالخ بْن عَابِر بْن شالخ بْن أرفخشذ بْن سَام بْن نُوح وَالْأَوَّل قَوْل مُجَاهِد وَغَيْره : قَالَ مُجَاهِد : وَمَلَكَ الدُّنْيَا مَشَارِقهَا وَمَغَارِبهَا أَرْبَعَة : مُؤْمِنَانِ وَكَافِرَانِ فَالْمُؤْمِنَانِ سُلَيْمَان بْن دَاوُد وَذُو الْقَرْنَيْنِ وَالْكَافِرَانِ نُمْرُود وَبُخْتُنَصَّرَ وَاَللَّه أَعْلَم وَمَعْنَى قَوْله " أَلَمْ تَرَ " أَيْ بِقَلْبِك يَا مُحَمَّد " إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيم فِي رَبّه " أَيْ وُجُود رَبّه وَذَلِكَ أَنَّهُ أَنْكَرَ أَنْ يَكُون إِلَه غَيْره كَمَا قَالَ بَعْده فِرْعَوْن لِمَلَئِهِ " مَا عَلِمْت لَكُمْ مِنْ إِلَه غَيْرِي " وَمَا حَمَلَهُ عَلَى هَذَا الطُّغْيَان وَالْكُفْر الْغَلِيظ وَالْمُعَانَدَة الشَّدِيدَة إِلَّا تَجَبُّره وَطُول مُدَّته فِي الْمُلْك وَذَلِكَ أَنَّهُ يُقَال إِنَّهُ مَكَثَ أَرْبَعمِائَةِ سَنَة فِي مُلْكه وَلِهَذَا قَالَ " أَنْ أَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ" وَكَانَ طَلَبَ مِنْ إِبْرَاهِيم دَلِيلًا عَلَى وُجُود الرَّبّ الَّذِي يَدْعُو إِلَيْهِ فَقَالَ إِبْرَاهِيم " رَبِّي الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت" أَيْ إِنَّمَا الدَّلِيل عَلَى وُجُوده حُدُوث هَذِهِ الْأَشْيَاء الْمُشَاهَدَة بَعْد عَدَمهَا وَعَدَمهَا بَعْد وُجُودهَا وَهَذَا دَلِيل عَلَى وُجُود الْفَاعِل الْمُخْتَار ضَرُورَة لِأَنَّهَا لَمْ تَحْدُث بِنَفْسِهَا فَلَا بُدّ لَهَا مِنْ مُوجِد أَوْجَدَهَا وَهُوَ الرَّبّ الَّذِي أَدْعُو إِلَى عِبَادَته وَحْده لَا شَرِيك لَهُ . فَعِنْد ذَلِكَ قَالَ الْمُحَاجّ وَهُوَ النُّمْرُود " أَنَا أُحْيِي وَأُمِيت " قَالَ قَتَادَة وَمُحَمَّد بْن إِسْحَاق وَالسُّدِّيّ وَغَيْر وَاحِد وَذَلِكَ أَنِّي أُوتَى بِالرَّجُلَيْنِ قَدْ اِسْتَحَقَّا الْقَتْل فَآمُر بِقَتْلِ أَحَدهمَا فَيُقْتَل وَآمُر بِالْعَفْوِ عَنْ الْآخَر فَلَا يُقْتَل فَذَلِكَ مَعْنَى الْإِحْيَاء وَالْإِمَاتَة وَالظَّاهِر وَاَللَّه أَعْلَم أَنَّهُ مَا أَرَادَ هَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ جَوَابًا لِمَا قَالَ إِبْرَاهِيم وَلَا فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ مَانِع لِوُجُودِ الصَّانِع وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ هَذَا الْمَقَام عِنَادًا وَمُكَابَرَة وَيُوهِم أَنَّهُ الْفَاعِل لِذَلِكَ وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت كَمَا اِقْتَدَى بِهِ فِرْعَوْن فِي قَوْله " مَا عَلِمْت لَكُمْ مِنْ إِلَه غَيْرِي " وَلِهَذَا قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيم لَمَّا اِدَّعَى هَذِهِ الْمُكَابَرَة " فَإِنَّ اللَّه يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنْ الْمَشْرِق فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِب " أَيْ إِذَا كُنْت كَمَا تَدَّعِي مِنْ أَنَّك تُحْيِي وَتُمِيت فَاَلَّذِي يُحْيِي وَيُمِيت هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّف فِي الْوُجُود فِي خَلْق ذَوَاته وَتَسْخِير كَوَاكِبه وَحَرَكَاته فَهَذِهِ الشَّمْس تَبْدُو كُلّ يَوْم مِنْ الْمَشْرِق فَإِنْ كُنْت إِلَهًا كَمَا اِدَّعَيْت تُحْيِي وَتُمِيت فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِب ؟ فَلَمَّا عَلِمَ عَجْزه وَانْقِطَاعه وَأَنَّهُ لَا يَقْدِر عَلَى الْمُكَابَرَة فِي هَذَا الْمَقَام بُهِتَ أَيْ أُخْرِسَ فَلَا يَتَكَلَّم وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّة قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَاَللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ " أَيْ لَا يُلْهِمهُمْ حُجَّة وَلَا بُرْهَانًا بَلْ حُجَّتهمْ دَاحِضَة عِنْد رَبّهمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَهَذَا التَّنْزِيل عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَحْسَن مِمَّا ذَكَرَهُ كَثِير مِنْ الْمَنْطِقِيِّينَ أَنَّ عُدُول إِبْرَاهِيم عَنْ الْمَقَام الْأَوَّل إِلَى الْمَقَام الثَّانِي اِنْتِقَال مِنْ دَلِيل إِلَى أَوْضَح مِنْهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَدْ يُطْلِق عِبَارَة تُرْدِيه وَلَيْسَ كَمَا قَالُوهُ بَلْ الْمَقَام الْأَوَّل يَكُون كَالْمُقَدِّمَةِ لِلثَّانِي وَيُبَيِّن بُطْلَان مَا اِدَّعَاهُ نُمْرُود فِي الْأَوَّل وَالثَّانِي وَلِلَّهِ الْحَمْد وَالْمِنَّة وَقَدْ ذَكَرَ السُّدِّيّ أَنَّ هَذِهِ الْمُنَاظَرَة كَانَتْ بَيْن إِبْرَاهِيم وَنُمْرُود بَعْد خُرُوج إِبْرَاهِيم مِنْ النَّار وَلَمْ يَكُنْ اِجْتَمَعَ بِالْمَلِكِ إِلَّا فِي ذَلِكَ الْيَوْم فَجَرَتْ بَيْنهمَا هَذِهِ الْمُنَاظَرَة وَرَوَى عَبْد الرَّزَّاق عَنْ مَعْمَر عَنْ زَيْد بْن أَسْلَمَ أَنَّ النُّمْرُود كَانَ عِنْده طَعَام وَكَانَ النَّاس يَغْدُونَ إِلَيْهِ لِلْمِيرَةِ فَوَفَدَ إِبْرَاهِيمُ فِي جُمْلَة مَنْ وَفَدَ لِلْمِيرَةِ فَكَانَ بَيْنهمَا هَذِهِ الْمُنَاظَرَة وَلَمْ يُعْطِ إِبْرَاهِيم مِنْ الطَّعَام كَمَا أَعْطَى النَّاس بَلْ خَرَجَ وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْء مِنْ الطَّعَام فَلَمَّا قَرُبَ مِنْ أَهْله عَمَدَ إِلَى كَثِيب مِنْ التُّرَاب فَمَلَأَ مِنْهُ عِدْلَيْهِ وَقَالَ أَشْغَل أَهْلِي عَنِّي إِذَا قَدِمْت عَلَيْهِمْ فَلَمَّا قَدِمَ وَضَعَ رِحَاله وَجَاءَ فَاتَّكَأَ فَنَامَ فَقَامَتْ اِمْرَأَته سَارَة إِلَى الْعِدْلَيْنِ فَوَجَدَتْهُمَا مَلْآنَيْنِ طَعَامًا طَيِّبًا فَعَمِلَتْ طَعَامًا فَلَمَّا اِسْتَيْقَظَ إِبْرَاهِيم وَجَدَ الَّذِي قَدْ أَصْلَحُوهُ فَقَالَ : أَنَّى لَكُمْ هَذَا ؟ قَالَتْ : مِنْ الَّذِي جِئْت بِهِ فَعَلِمَ أَنَّهُ رِزْقٌ رَزَقَهُمْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَالَ زَيْد بْن أَسْلَمَ : وَبَعَثَ اللَّه إِلَى ذَلِكَ الْمَلِك الْجَبَّار مَلِكًا يَأْمُرهُ بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ فَأَبَى عَلَيْهِ ثُمَّ دَعَاهُ الثَّانِيَة فَأَبَى ثُمَّ الثَّالِثَة فَأَبَى وَقَالَ : اِجْمَعْ جُمُوعك وَأَجْمَع جُمُوعِي فَجَمَعَ النُّمْرُود جَيْشه وَجُنُوده وَقْت طُلُوع الشَّمْس وَأَرْسَلَ اللَّه عَلَيْهِمْ بَابًا مِنْ الْبَعُوض بِحَيْثُ لَمْ يَرَوْا عَيْن الشَّمْس وَسَلَّطَهَا اللَّه عَلَيْهِمْ فَأَكَلَتْ لُحُومهمْ وَدِمَاءَهُمْ وَتَرَكَتْهُمْ عِظَامًا بَادِيَة وَدَخَلَتْ وَاحِدَة مِنْهَا فِي مَنْخِرَيْ الْمَلِك فَمَكَثَتْ فِي مَنْخِرَيْ الْمَلِك أَرْبَعمِائَةِ سَنَة عَذَّبَهُ اللَّه بِهَا فَكَانَ يَضْرِب بِرَأْسِهِ بِالْمَرَازِبِ فِي هَذِهِ الْمُدَّة حَتَّى أَهْلَكَهُ اللَّه بِهَا .
كتب عشوائيه
- لماذا خلقنا ؟-
المؤلف : Abu Ameenah Bilal Philips
الناشر : http://www.islambasics.com - Islam Basics Website
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/51910
- تحليل نقدي لطائفة منكري السنةتحليل نقدي لطائفة منكري السنة: كتابٌ يحتوي على بيان ضلالات مُنكري السنة وافتراءاتهم الكاذبة حول الإسلام والقرآن الكريم وجهلهم بالسنة، وحثَّ المسلمين على اجتنابهم والتحذير من هذه الفرقة، مع بيان وجوب التمسك بالقرآن والسنة وفق فهم السلف الصالح.
المؤلف : Sajid Abdul Qayyum
المدقق/المراجع : Muhammad AbdulRaoof
الناشر : A website Quran and Sunnah : http://www.qsep.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/371002
- رسالة الرسلرسالة الرسل: يقول المؤلف - حفظه الله -: «لم يكن الله ليخلق هذا الكون سُدى فإنه متصف بالحكمة، والعلم، والرحمة، والعدل. كل هذه الصفات تستلزم بيانه لدينه الذي يؤدي إلى العلم به، والطريق الصحيح لعبادته، وقد أرسل الله رسلَه ليرشدوا الإنسان إلى ما ينفعه، وما يضره ليحيَا لغرضٍ نبيلٍ؛ لذا فإن كل العبادات بُيِّنت في القرآن والسنة».
المؤلف : Dr. Saleh As-Saleh
الناشر : http://understand-islam.net - Understand Islam Website
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/344782
- البداية والنهايةيبين المؤلف في هذا الكتاب كيف بدأ الله الخلق و كيف سينتهي هذا العالم مع بيانه لإثبات وجود الله واضطراب الكفار بين نظريات خاطئة ومخالفة لما جاء به النبي صلى الله عليه و سلم.
المؤلف : AbdulRahman Bin Abdulkarim Al-Sheha
الناشر : http://www.islamland.com - Islam Land Website
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/261474
- لماذا تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من عائشة وهي فتاة صغيرة؟كتاب مهم يتناول موضوعًا أسيء فهمه بل أسيء استخدامه لدى الكثير من المفكرين والمستشرقين وهو لماذا تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - من السيدة عائشة وهي فتاة صغيرة؟ يبين المؤلف الغرض وراء نقاشهم هذا وهل هو من أجل نقد هذا النوع من الزواج أم من أجل تشويه صورة النبي – صلى الله عليه وسلم؟! يواصل المؤلف رده عليهم بقوله لو كان هذا النوع من الزواج غريبًا لماذا لم يستخدمه مشركو قريش ذريعة ضد النبي الكريم؟! يناقش المؤلف أيضًا مواضيع أخرى متعلقة بهذا مثل أن القارة الأوروبية تسمح بزواج الفتيات الصغار، وسن قبول زواج الفتيات في كثير من البلاد حول العالم.
الناشر : http://www.rasoulallah.net - Website of Rasoulullah (peace be upon him)
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/330161