صدقة جارية للمرحوم/ عبدالله ابراهيم الدخيل » تفسير القرطبي » سورة الإنسان
هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (1) (الإنسان) 

سُورَة الْإِنْسَان مَكِّيَّة فِي قَوْل اِبْن عَبَّاس وَمُقَاتِل وَالْكَلْبِيّ . وَقَالَ الْجُمْهُور : مَدَنِيَّة . وَقِيلَ : فِيهَا مَكِّيّ , مِنْ قَوْله تَعَالَى : " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْك الْقُرْآن تَنْزِيلًا " [ الْإِنْسَان : 23 ] إِلَى آخِر السُّورَة , وَمَا تَقَدَّمَهُ مَدَنِيّ . وَذَكَرَ اِبْن وَهْب قَالَ : وَحَدَّثَنَا اِبْن زَيْد قَالَ : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَقْرَأ : " هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان حِين مِنْ الدَّهْر " وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ وَعِنْده رَجُل أَسْوَد كَانَ يَسْأَل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فَقَالَ لَهُ عُمَر بْن الْخَطَّاب : لَا تُثْقِلْ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قَالَ : ( دَعْهُ يَا ابْن الْخَطَّاب ) قَالَ : فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ السُّورَة وَهُوَ عِنْده , فَلَمَّا قَرَأَهَا عَلَيْهِ وَبَلَغَ صِفَة الْجِنَان زَفَرَ زَفْرَة فَخَرَجَتْ نَفْسه . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَخْرَجَ نَفْسَ صَاحِبِكُمْ - أَوْ أَخِيكُمْ - الشَّوْق إِلَى الْجَنَّة ) وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عُمَر بِخِلَافِ هَذَا اللَّفْظ , وَسَيَأْتِي . وَقَالَ الْقُشَيْرِيّ : إِنَّ هَذِهِ السُّورَة نَزَلَتْ فِي عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ . وَالْمَقْصُود مِنْ السُّورَة عَامّ . وَهَكَذَا الْقَوْل فِي كُلّ مَا يُقَال إِنَّهُ نَزَلَ بِسَبَبِ كَذَا وَكَذَا . " هَلْ " : بِمَعْنَى قَدْ ; قَالَهُ الْكِسَائِيّ وَالْفَرَّاء وَأَبُو عُبَيْدَة . وَقَدْ حُكِيَ عَنْ سِيبَوَيْهِ " هَلْ " بِمَعْنَى قَدْ . قَالَ الْفَرَّاء : هَلْ تَكُون جَحْدًا , وَتَكُون خَبَرًا , فَهَذَا مِنْ الْخَبَر ; لِأَنَّك تَقُول : هَلْ أَعْطَيْتُك ؟ تُقَرِّرُهُ بِأَنَّك أَعْطَيْته . وَالْجَحْد أَنْ تَقُول : هَلْ يَقْدِر أَحَد عَلَى مِثْل هَذَا ؟ وَقِيلَ : هِيَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِفْهَام , وَالْمَعْنَى : أَتَى . وَالْإِنْسَان هُنَا آدَم عَلَيْهِ السَّلَام , قَالَهُ قَتَادَة وَالثَّوْرِيّ وَعِكْرِمَة وَالسُّدِّيّ . وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس . " حِينٌ مِنْ الدَّهْر " قَالَ اِبْن عَبَّاس فِي رِوَايَة أَبِي صَالِح : أَرْبَعُونَ سَنَة مَرَّتْ بِهِ , قَبْل أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوح , وَهُوَ مُلْقًى بَيْن مَكَّة وَالطَّائِف وَعَيَّنَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا فِي رِوَايَة الضَّحَّاك أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ طِين , فَأَقَامَ أَرْبَعِينَ سَنَة , ثُمَّ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ أَرْبَعِينَ سَنَة , ثُمَّ مِنْ صَلْصَال أَرْبَعِينَ سَنَة , فَتَمَّ خَلْقه بَعْد مِائَة وَعِشْرِينَ سَنَة . وَزَادَ اِبْن مَسْعُود فَقَالَ : أَقَامَ وَهُوَ مِنْ تُرَاب أَرْبَعِينَ سَنَة , فَتَمَّ خَلْقه بَعْد مِائَة وَسِتِّينَ سَنَة , ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ الرُّوح . وَقِيلَ : الْحِين الْمَذْكُور هَهُنَا : لَا يُعْرَف مِقْدَاره عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا , حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ . " لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا " قَالَ الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس : لَا فِي السَّمَاء وَلَا فِي الْأَرْض . وَقِيلَ : أَيْ كَانَ جَسَدًا مُصَوَّرًا تُرَابًا وَطِينًا , لَا يُذْكَر وَلَا يُعْرَف , وَلَا يُدْرَى مَا اِسْمه وَلَا مَا يُرَاد بِهِ , ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ الرُّوح , فَصَارَ مَذْكُورًا ; قَالَهُ الْفَرَّاء وَقُطْرُب وَثَعْلَب . وَقَالَ يَحْيَى بْن سَلَّام : لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا فِي الْخَلْق وَإِنْ كَانَ عِنْد اللَّه شَيْئًا مَذْكُورًا . وَقِيلَ : لَيْسَ هَذَا الذِّكْر بِمَعْنَى الْإِخْبَار , فَإِنَّ إِخْبَار الرَّبّ عَنْ الْكَائِنَات قَدِيم , بَلْ هَذَا الذِّكْر بِمَعْنَى الْخَطَر وَالشَّرَف وَالْقَدْر ; تَقُول : فُلَان مَذْكُور أَيْ لَهُ شَرَف وَقَدْر . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : " وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَك وَلِقَوْمِك " [ الزُّخْرُف : 44 ] . أَيْ قَدْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان حِين لَمْ يَكُنْ لَهُ قَدْر عِنْد الْخَلِيقَة . ثُمَّ لَمَّا عَرَّفَ اللَّه الْمَلَائِكَة أَنَّهُ جَعَلَ آدَم خَلِيفَة , وَحَمَّلَهُ الْأَمَانَة الَّتِي عَجَزَ عَنْهَا السَّمَوَات وَالْأَرْض وَالْجِبَال , ظَهَرَ فَضْله عَلَى الْكُلّ , فَصَارَ مَذْكُورًا . قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَعَلَى الْجُمْلَة مَا كَانَ مَذْكُورًا لِلْخَلْقِ , وَإِنْ كَانَ مَذْكُورًا لِلَّهِ . وَحَكَى مُحَمَّد بْن الْجَهْم عَنْ الْفَرَّاء : " لَمْ يَكُنْ شَيْئًا " قَالَ : كَانَ شَيْئًا وَلَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا . وَقَالَ قَوْم : النَّفْي يَرْجِع إِلَى الشَّيْء ; أَيْ قَدْ مَضَى مَدَد مِنْ الدَّهْر وَآدَم لَمْ يَكُنْ شَيْئًا يُذْكَر فِي الْخَلِيقَة ; لِأَنَّهُ آخِر مَا خَلَقَهُ مِنْ أَصْنَاف الْخَلِيقَة , وَالْمَعْدُوم لَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَأْتِي عَلَيْهِ حِين . وَالْمَعْنَى : قَدْ مَضَتْ عَلَيْهِ أَزْمِنَة وَمَا كَانَ آدَم شَيْئًا وَلَا مَخْلُوقًا وَلَا مَذْكُورًا لِأَحَدٍ مِنْ الْخَلِيقَة . وَهَذَا مَعْنَى قَوْل قَتَادَة وَمُقَاتِل : قَالَ قَتَادَة : إِنَّمَا خُلِقَ الْإِنْسَان حَدِيثًا مَا نَعْلَم مِنْ خَلِيقَة اللَّه جَلَّ ثَنَاؤُهُ خَلِيقَة كَانَتْ بَعْد الْإِنْسَان . وَقَالَ مُقَاتِل : فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير , وَتَقْدِيره : هَلْ أَتَى حِين مِنْ الدَّهْر لَمْ يَكُنْ الْإِنْسَان شَيْئًا مَذْكُورًا ; لِأَنَّهُ خَلَقَهُ بَعْد خَلْق الْحَيَوَان كُلّه , وَلَمْ يَخْلُق بَعْده حَيَوَانًا . وَقَدْ قِيلَ : " الْإِنْسَان " فِي قَوْله تَعَالَى " هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان حِين " عُنِيَ بِهِ الْجِنْس مِنْ ذُرِّيَّة آدَم , وَأَنَّ الْحِين تِسْعَة أَشْهُر , مُدَّة حَمْل الْإِنْسَان فِي بَطْن أُمّه " لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا " : إِذْ كَانَ عَلَقَة وَمُضْغَة ; لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَة جَمَاد لَا خَطَر لَهُ . وَقَالَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَمَّا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَة : لَيْتَهَا تَمَّتْ فَلَا نُبْتَلَى . أَيْ لَيْتَ الْمُدَّة الَّتِي أَتَتْ عَلَى آدَم لَمْ تَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا تَمَّتْ عَلَى ذَلِكَ , فَلَا يَلِد وَلَا يُبْتَلَى أَوْلَاده . وَسَمِعَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ رَجُلًا يَقْرَأ " هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَان حِين مِنْ الدَّهْر لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا " فَقَالَ لَيْتَهَا تَمَّتْ .
كتب عشوائيه
- آداب الزفاف في السنة المطهرةآداب الزفاف في السنة المطهرة: هذه الرسالة اللطيفة نموذج لناحية من النواحي التي تناولتها رسالة الإسلام بالسنن الصحيحة عن معلم الناس الخير - صلى الله عليه وسلم -، في حفلات الزفاف وآدابه وولائمه.
المؤلف : Muhammad Naasiruddeen al-Albaanee
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/1275
- اللحية بين السلف والخلفاللحية بين السلف والخلف: في هذا الكتاب تكلم المؤلف عن اللحية، وجمع الأدلة من السنة النبوية على وجوب إعفائها وتحريم حلقها، وذكر كذلك أقوال بعض علماء السلف، وقارنها بأقوال المخالفين من الخلف.
المؤلف : Muhammad al-Jibaly
الناشر : Al-Kitaab & as-Sunnah Publishing
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/1231
- عقيدة أهل السنة والجماعةعقيدة أهل السنة والجماعة: تشتمل هذه الرسالة على بيان عقيدة أهل السنة والجماعة في باب توحيد الله وأسمائه وصفاته، وفي أبواب الإِيمان بالملائكة، والكتب، والرسل، واليوم الآخر، والقدَر خيره وشره. - هذه الصفحة تشتمل على ترجمتين لهذا الكتاب: الأولى: من إصدار دار الهداية للنشر والتوزيع. الثانية: بترجمة الشيخ مانع بن حماد الجهني - رحمه الله تعالى -.
المؤلف : Muhammad ibn Saleh al-Othaimeen
المترجم : Mane' Bin Hammad Al-Juhani
الناشر : http://www.al-hidaayah.co.uk - Al-Hidaayah Publishing and Distribution Website - Books of the office of propagation in Ulayya, Sulaymaniyah and north of Riyadh
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/46123
- الحرية الدينية في المملكة العربية السعوديةتقارير الحريات الدينية السنوي التي تعدها وزارة الخارجية الأمريكية تحتوي غالبًا على فقرات عن الحرية الدينية في المملكة العربية السعودية. هذه التقارير توزعها وزارة الخارجية رسميًا على مراكز البحث في الغرب بالإضافة إلى المنافذ الإعلامية الدولية، وقنوات أخرى. تأتي المملكة العربية السعودية على رأس هذه القائمة من حيث الاهتمام بسبب أهميتها الدينية، والسياسية. لذا أصبح من الضروري في حقنا – كسعوديين – أن نناقش تلك الفقرات التي تتناول الحرية الدينية في بلدنا، ونقدم الحقائق التي لا تحويها هذه التقارير. عند مناقشتنا لهذه التقارير يجب علينا أن نوضح للعالم وجهة نظرنا تجاه هذه التقارير. يجب علينا ايضًا أن نسمح للقارىء أن يكتشف الحقيقة المذكورة في هذا الكتاب طبقًا للمعايير التي يوافق عليها ذوو العقول السليمة.
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/324764
- الإسلام: الرسالة الكاملة و الخاتمة للبشريةالإسلام: الرسالة الكاملة و الخاتمة للبشرية، هو تعريف مبسط بالإسلام و تعاليمه و بعض مصطلحاته، مع نصائح للمسلمين و غير المسلمين للإقتداء بمنهج السلف الصالح من هذه الأمة
المؤلف : Dr. Saleh As-Saleh
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/35742