القرآن الكريم » تفسير ابن كثر » سورة البقرة
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) (البقرة)
النِّفَاق هُوَ إِظْهَار الْخَيْر وَإِسْرَار الشَّرّ وَهُوَ أَنْوَاع : اِعْتِقَادِيّ وَهُوَ الَّذِي يَخْلُد صَاحِبه فِي النَّار وَعَمَلِيّ وَهُوَ مِنْ أَكْبَر الذُّنُوب كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيله فِي مَوْضِعه إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى وَهَذَا كَمَا قَالَ اِبْن جُرَيْج : الْمُنَافِق يُخَالِف قَوْلُهُ فِعْلَهُ وَسِرُّهُ عَلَانِيَتَهُ وَمَدْخَلُهُ مَخْرَجَهُ وَمَشْهَدُهُ مَغِيبَهُ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ صِفَات الْمُنَافِقِينَ فِي السُّوَر الْمَدَنِيَّة لِأَنَّ مَكَّة لَمْ يَكُنْ فِيهَا نِفَاق بَلْ كَانَ خِلَافه مِنْ النَّاس مَنْ كَانَ يُظْهِر الْكُفْر مُسْتَكْرَهًا وَهُوَ فِي الْبَاطِن مُؤْمِن فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَة وَكَانَ بِهَا الْأَنْصَار مِنْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج وَكَانُوا فِي جَاهِلِيَّتهمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَام عَلَى طَرِيقَة مُشْرِكِي الْعَرَب وَبِهَا الْيَهُود مِنْ أَهْل الْكِتَاب عَلَى طَرِيقَة أَسْلَافهمْ وَكَانُوا ثَلَاث قَبَائِل بَنُو قَيْنُقَاع حُلَفَاء الْخَزْرَج وَبَنُو النَّضِير وَبَنُو قُرَيْظَة حُلَفَاء الْأَوْس فَلَمَّا قَدِمَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة وَأَسْلَمَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْأَنْصَار مِنْ قَبِيلَتَيْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج وَقَلَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْيَهُود إِلَّا عَبْد اللَّه بْن سَلَام رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَلَمْ يَكُنْ إِذْ ذَاكَ نِفَاق أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ بَعْد شَوْكَة تَخَاف بَلْ قَدْ كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَادَعَ الْيَهُود وَقَبَائِل كَثِيرَة مِنْ أَحْيَاء الْعَرَب حَوَالَيْ الْمَدِينَة فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَة بَدْر الْعُظْمَى وَأَظْهَرَ اللَّهُ كَلِمَتَهُ وَأَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ قَالَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ بْن سَلُول وَكَانَ رَأْسًا فِي الْمَدِينَة وَهُوَ مِنْ الْخَزْرَج وَكَانَ سَيِّد الطَّائِفَتَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّة وَكَانُوا قَدْ عَزَمُوا عَلَى أَنْ يُمَلِّكُوهُ عَلَيْهِمْ فَجَاءَهُمْ الْخَيْر وَأَسْلَمُوا وَاشْتَغَلُوا عَنْهُ فَبَقِيَ فِي نَفْسه مِنْ الْإِسْلَام وَأَهْله فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَة بَدْر قَالَ هَذَا أَمْر قَدْ تَوَجَّهَ فَأَظْهَرَ الدُّخُول فِي الْإِسْلَام وَدَخَلَ مَعَهُ طَوَائِف مِمَّنْ هُوَ عَلَى طَرِيقَته وَنِحْلَته وَآخَرُونَ مِنْ أَهْل الْكِتَاب فَمِنْ ثَمَّ وُجِدَ النِّفَاق فِي أَهْل الْمَدِينَة وَمَنْ حَوْلهَا مِنْ الْأَعْرَاب فَأَمَّا الْمُهَاجِرُونَ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَد يُهَاجِر مُكْرَهًا بَلْ يُهَاجِر فَيَتْرُك مَاله وَوَلَده وَأَرْضه رَغْبَة فِيمَا عِنْد اللَّه فِي الدَّار الْآخِرَة . قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن أَبِي مُحَمَّد عَنْ عِكْرِمَة أَوْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُول آمَنَّا بِاَللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِر وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ" يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج وَمَنْ كَانَ عَلَى أَمْرهمْ وَكَذَا فَسَّرَهَا بِالْمُنَافِقِينَ مِنْ الْأَوْس وَالْخَزْرَج أَبُو الْعَالِيَة وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ وَلِهَذَا نَبَّهَ اللَّه سُبْحَانه عَلَى صِفَات الْمُنَافِقِينَ لِئَلَّا يَغْتَرّ بِظَاهِرِ أَمْرهمْ الْمُؤْمِنُونَ فَيَقَع لِذَلِكَ فَسَادٌ عَرِيضٌ مِنْ عَدَم الِاحْتِرَاز مِنْهُمْ وَمِنْ اِعْتِقَاد إِيمَانهمْ وَهُمْ كُفَّار فِي نَفْس الْأَمْر وَهَذَا مِنْ الْمَحْذُورَات الْكِبَار أَنْ يَظُنّ لِأَهْلِ الْقُبُور خَيْر فَقَالَ تَعَالَى " وَمِنْ النَّاس مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاَللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِر وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ" أَيْ يَقُولُونَ ذَلِكَ قَوْلًا لَيْسَ وَرَاءَهُمْ شَيْء آخَر كَمَا قَالَ تَعَالَى " إِذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَد إِنَّك لَرَسُول اللَّه وَاَللَّه يَعْلَم إِنَّك لَرَسُوله " أَيْ إِنَّمَا يَقُولُونَ ذَلِكَ إِذَا جَاءُوك فَقَطْ لَا فِي نَفْس الْأَمْر وَلِهَذَا يُؤَكِّدُونَ الشَّهَادَة بِأَنَّ وَلَام التَّأْكِيد فِي خَبَرهَا . أَكَّدُوا أَمْرهمْ قَالُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِر وَلَيْسَ الْأَمْر كَذَلِكَ كَمَا كَذَّبَهُمْ اللَّه فِي شَهَادَتهمْ وَفِي خَبَرهمْ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى اِعْتِقَادهمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى " وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ" وَبِقَوْلِهِ " وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ " .
كتب عشوائيه
- فتاوى ومسائلهذا الملف يحتوي على مجموعة من مسائل وفتاوى الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيراً.
المؤلف : محمد بن عبد الوهاب
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/264160
- منهج أهل السنة في توحيد الأمةمنهج أهل السنة في توحيد الأمة: قال المصنف - حفظه الله -: «فإن موضوع هذه الرسالة موضوعٌ عظيمٌ، وكبيرٌ جدًّا، وكل مسلمٍ يتطلَّعُ غايةَ التطلُّع إلى تحقيق هذا المطلَب الجليل وهذا الهدف العظيم، وهو: توحيد كلمة المسلمين وجمعُ صفِّهم، ولمُّ شعَثِهم وجمعُهم على كلمةٍ سواء، لا شكَّ أن كلَّ مسلمٍ يتطلَّعُ إلى تحقيق هذا الأمر والقيام به، ولكن للقيام بهذا المطلب نجد في الساحة حلولاً كثيرةً، وآراءً متفرقة، واتجاهاتٍ مُتباينة في تحديد العلاج الناجح والسبيل الأقوم في جمع كلمة المسلمين ولمِّ صفِّهم وجمع شتاتهم».
المؤلف : عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر
الناشر : موقع الشيخ عبد الرزاق البدر http://www.al-badr.net
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/344680
- كلمات في المحبة والخوف والرجاءالعبادة تقوم على أركان ثلاثة، هي المحبة، والخوف، والرجاء، وفي هذه الرسالة بيان لهذه الأركان.
المؤلف : محمد بن إبراهيم الحمد
الناشر : موقع دعوة الإسلام http://www.toislam.net - موقع رسول الله http://www.rasoulallah.net
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/172690
- التعليقات السنية على العقيدة الواسطيةالعقيدة الواسطية : رسالة نفيسة لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ذكر فيها جمهور مسائل أصول الدين، ومنهج أهل السنة والجماعة في مصادر التلقي التي يعتمدون عليها في العقائد؛ لذا احتلت مكانة كبيرة بين علماء أهل السنة وطلبة العلم، لما لها من مميزات عدة من حيث اختصار ألفاظها ودقة معانيها وسهولة أسلوبها، وأيضاً ما تميزت به من جمع أدلة أصول الدين العقلية والنقلية؛ لذلك حرص العلماء وطلبة العلم على شرحها وبيان معانيها، ومن هذه الشروح شرح فضيلة الشيخ فيصل بن عبد العزيز آل مبارك - رحمه الله -.
المؤلف : فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/2568
- شرح حديث معاذ رضي الله عنهشرح لحديث معاذ - رضي الله عنه - قَالَ كُنْتُ رِدْيفَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ، فَقَالَ « يَا مُعَاذُ، هَلْ تَدْرِى حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ ». قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ « فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِه شَيْئاً، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً ». فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ قَالَ « لاَ تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا ».
المؤلف : صالح بن محمد اللحيدان
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/2497