القرآن الكريم » تفسير ابن كثر » سورة الأنفال
وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ ۚ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (34) (الأنفال)
يُخْبِر تَعَالَى أَنَّهُمْ أَهْل لِأَنْ يُعَذِّبهُمْ وَلَكِنْ لَمْ يُوقِع ذَلِكَ بِهِمْ لِبَرَكَةِ مَقَام الرَّسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْن أَظْهُرهمْ وَلِهَذَا لَمَّا خَرَجَ مِنْ بَيْن أَظْهُرهمْ أَوْقَعَ اللَّه بِهِمْ بَأْسه يَوْم بَدْر فَقُتِلَ صَنَادِيدهمْ وَأُسِرَ سَرَاتُهُمْ وَأَرْشَدَهُمْ تَعَالَى إِلَى الِاسْتِغْفَار مِنْ الذُّنُوب الَّتِي هُمْ مُتَلَبِّسُونَ بِهَا مِنْ الشِّرْك وَالْفَسَاد وَقَالَ قَتَادَة وَالسُّدِّيّ وَغَيْرهمَا لَمْ يَكُنْ الْقَوْم يَسْتَغْفِرُونَ وَلَوْ كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ لَمَا عُذِّبُوا وَاخْتَارَهُ اِبْن جَرِير فَلَوْلَا مَا كَانَ بَيْن أَظْهُرهمْ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَغْفِرِينَ لَوَقَعَ بِهِمْ الْبَأْس الَّذِي لَا يُرَدّ وَلَكِنْ دُفِعَ عَنْهُمْ بِسَبَبِ أُولَئِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي يَوْم الْحُدَيْبِيَة " هُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَال مُؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُؤْمِنَات لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّة بِغَيْرِ عِلْم لِيَدْخُل اللَّه فِي رَحْمَته مَنْ يَشَاء لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا " . قَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد حَدَّثَنَا يَعْقُوب عَنْ جَعْفَر بْن أَبِي الْمُغِيرَة عَنْ اِبْن أَبْزَى قَالَ كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّة فَأَنْزَلَ اللَّه " وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ " قَالَ فَخَرَجَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَة فَأَنْزَلَ اللَّه " وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ " قَالَ وَكَانَ أُولَئِكَ الْبَقِيَّة مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ بَقَوْا فِيهَا مُسْتَضْعَفِينَ يَعْنِي بِمَكَّة " يَسْتَغْفِرُونَ " فَلَمَّا خَرَجُوا أَنْزَلَ اللَّه " وَمَا لَهُمْ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ اللَّه وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ " قَالَ فَأَذِنَ اللَّه فِي فَتْح مَكَّة فَهُوَ الْعَذَاب الَّذِي وَعَدَهُمْ وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَأَبِي مَالِك وَالضَّحَّاك وَغَيْر وَاحِد نَحْو هَذَا وَقَدْ قِيلَ إِنَّ هَذِهِ الْآيَة نَاسِخَة لِقَوْلِهِ تَعَالَى " وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبهمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ " عَلَى أَنْ يَكُون الْمُرَاد صُدُور الِاسْتِغْفَار مِنْهُمْ أَنْفُسهمْ قَالَ اِبْن جَرِير : حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد ثَنَا يَحْيَى بْن وَاضِح عَنْ الْحُسَيْن بْن وَاقِد عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَة وَالْحَسَن الْبَصْرِيّ قَالَا : قَالَ فِي الْأَنْفَال " وَمَا كَانَ اللَّه لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ " فَنَسَخَتْهَا الْآيَة الَّتِي تَلِيهَا " وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمْ اللَّه " - إِلَى قَوْله - " فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ " فَقَاتَلُوا بِمَكَّة فَأَصَابَهُمْ فِيهَا الْجُوع وَالضُّرّ وَكَذَا رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم مِنْ حَدِيث أَبِي تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْن وَاضِح . وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الصَّبَّاح حَدَّثَنَا حَجَّاج بْن مُحَمَّد عَنْ اِبْن جُرَيْج وَعُثْمَان بْن عَطَاء عَنْ عَطَاء عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَمَا كَانَ اللَّه مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ " ثُمَّ اسْتَثْنَى أَهْل الشِّرْك فَقَالَ " وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمْ اللَّه وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام " وَقَوْله " وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبهُمْ اللَّه وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرهمْ لَا يَعْلَمُونَ " أَيْ وَكَيْف لَا يُعَذِّبهُمْ اللَّه وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ الْمَسْجِد الْحَرَام أَيْ الَّذِي بِمَكَّة يَصُدُّونَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُمْ أَهْله عَنْ الصَّلَاة فِيهِ وَالطَّوَاف بِهِ وَلِهَذَا قَالَ " وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ " أَيْ هُمْ لَيْسُوا أَهْل الْمَسْجِد الْحَرَام وَإِنَّمَا أَهْله النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه كَمَا قَالَ تَعَالَى " مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِد اللَّه شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسهمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالهمْ وَفِي النَّار هُمْ خَالِدُونَ إِنَّمَا يَعْمُر مَسَاجِد اللَّه مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَأَقَامَ الصَّلَاة وَآتَى الزَّكَاة وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّه فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ الْمُهْتَدِينَ " وَقَالَ تَعَالَى " وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْله مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْد اللَّه " الْآيَة . وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بَكْر بْن مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة : حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بْن أَحْمَد هُوَ الطَّبَرَانِيّ حَدَّثَنَا جَعْفَر بْن إِلْيَاس بْن صَدَقَة الْمِصْرِيّ حَدَّثَنَا نُعَيْم بْن حَمَّاد حَدَّثَنَا نُوح بْن أَبِي مَرْيَم عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد الْأَنْصَارِيّ عَنْ أَنَس بْن مَالِك رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : سُئِلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَوْلِيَاؤُك . ؟ قَالَ " كُلّ تَقِيّ " وَتَلَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ " . وَقَالَ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْرَكه : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر الشَّافِعِيّ حَدَّثَنَا إِسْحَاق بْن الْحَسَن حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَة حَدَّثَنَا سُفْيَان عَنْ عَبْد اللَّه بْن خُثَيْم عَنْ إِسْمَاعِيل بْن عُبَيْد بْن رِفَاعَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه قَالَ : جَمَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا فَقَالَ " هَلْ فِيكُمْ مِنْ غَيْركُمْ ؟ " فَقَالُوا فِينَا اِبْن أُخْتنَا وَفِينَا حَلِيفنَا وَفِينَا مَوْلَانَا فَقَالَ " حَلِيفنَا مِنَّا وَابْن أُخْتنَا مِنَّا وَمَوْلَانَا مِنَّا إِنَّ أَوْلِيَائِي مِنْكُمْ الْمُتَّقُونَ " ثُمَّ قَالَ هَذَا صَحِيح وَلَمْ يُخْرِجَاهُ وَقَالَ عُرْوَة وَالسُّدِّيّ وَمُحَمَّد بْن إِسْحَاق فِي قَوْله تَعَالَى " إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ " قَالَ هُمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابه رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ . وَقَالَ مُجَاهِد هُمْ الْمُجَاهِدُونَ مَنْ كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى مَا كَانُوا يَعْتَمِدُونَهُ عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام وَمَا كَانُوا يُعَامِلُونَهُ بِهِ .
كتب عشوائيه
- شـرح القواعد الأربع [ الحنين ]من جملة مصنفات الشيخ بن عبد الوهاب - رحمه الله: (القواعد الأربع) وهو مصنف قليل لفظه، عظيم نفعه، يعالج قضية من أكبر القضايا، إنها فتنة الشرك بالله، صاغها المؤلف – رحمه الله – بعلم راسخ ودراية فائقة، مستقى نبعها كتاب الله، تقي الموحِّد هذا الداء العضال الذي فشا، وترشد طالب الحق والهدى، وتلجم أهل الغي والردى. فنظراً لأهمية هذا الكتاب وتعميم فائدته قام بشرحه الدكتور محمد بن سعد بن عبد الرحمن الحنين - حفظه الله -، عسى الله أن ينفع به المسلمين ويهديهم بالرجوع إلى الطريق المستقيم.
المؤلف : محمد بن سعد بن عبد الرحمن الحنين
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/380441
- أحكام تمنى الموترسالة مختصرة في أحكام تمني الموت.
المؤلف : محمد بن عبد الوهاب
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/264153
- شرح ثلاثة الأصول [ المصلح ]شرح ثلاثة الأصول : سلسلة من الدروس المفرغة والتي ألقاها فضيلة الشيخ خالد بن عبد الله المصلح - أثابه الله - والثلاثة الأصول وأدلتها هي رسالة مختصرة ونفيسة صنفها الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - تحتوي على الأصول الواجب على الإنسان معرفتها من معرفة العبد ربه, وأنواع العبادة التي أمر الله بها، ومعرفة العبد دينه، ومراتب الدين، وأركان كل مرتبة، ومعرفة النبي - صلى الله عليه وسلم - في نبذة من حياته، والحكمة من بعثته، والإيمان بالبعث والنشور، وركنا التوحيد وهما الكفر بالطاغوت,والإيمان بالله.
المؤلف : خالد بن عبد الله المصلح
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/285589
- الجرح والتعديلالجرح والتعديل: أحد الكتب المهمة في علم الرجال.
المؤلف : ابن أبي حاتم الرازي
الناشر : موقع أم الكتاب http://www.omelketab.net
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/141371
- الدقائق الممتعةالدقائق الممتعة : قال المؤلف - أثابه الله -: « فإن من نعم الله - عز وجل - على عباده نعمة القراءة التي يجول بها القارئ في قطوف دانية من العلم والمعرفة، وتجارب الأمم السابقة ونتاج عقول الآخرين. ومن أجمل صنيع القارئ إذا استوى الكتاب بين يديه أن يجمع ما طاب له من تلك الثمار ليرجع إليها متى شاء. وهذه مجموعة منتقاة جمعتها في فترات متباعدة، وبين الحين والآخر أعود لها وأستأنس بما فيها. ورغبة في أن يعم الخير جمعتها في هذا الكتاب إتمامًا للفائدة ».
المؤلف : عبد الملك القاسم
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/231253