القرآن الكريم » تفسير ابن كثر » سورة البقرة
لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) (البقرة) 
اِشْتَمَلَتْ هَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة عَلَى جُمَلٍ عَظِيمَةٍ وَقَوَاعِدَ عَمِيمَةٍ وَعَقِيدَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ كَمَا قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عُبَيْد بْن هِشَام الْحَلَبِيّ حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن عَمْرو عَنْ عَامِر بْن شُفَيّ عَنْ عَبْد الْكَرِيم عَنْ مُجَاهِد عَنْ أَبِي ذَرّ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا الْإِيمَانُ ؟ فَتَلَا عَلَيْهِ " لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ " إِلَى آخِر الْآيَة قَالَ : ثُمَّ سَأَلَهُ أَيْضًا فَتَلَاهَا عَلَيْهِ ثُمَّ سَأَلَهُ فَقَالَ : " إِذَا عَمِلْت حَسَنَة أَحَبَّهَا قَلْبك وَإِذَا عَمِلْت سَيِّئَة أَبْغَضَهَا قَلْبك " وَهَذَا مُنْقَطِع فَإِنَّ مُجَاهِدًا لَمْ يُدْرِك أَبَا ذَرّ فَإِنَّهُ مَاتَ قَدِيمًا وَقَالَ الْمَسْعُودِيّ : حَدَّثَنَا الْقَاسِم بْن عَبْد الرَّحْمَن قَالَ جَاءَ رَجُل إِلَى أَبِي ذَرّ فَقَالَ مَا الْإِيمَان ؟ فَقَرَأَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَة " لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ " حَتَّى فَرَغَ مِنْهَا فَقَالَ الرَّجُل لَيْسَ عَنْ الْبِرّ سَأَلْتُك فَقَالَ أَبُو ذَرّ : جَاءَ رَجُل إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتنِي عَنْهُ فَقَرَأَ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَة فَأَبَى أَنْ يَرْضَى كَمَا أَبَيْت أَنْ تَرْضَى فَقَالَ لَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَشَارَ بِيَدِهِ " الْمُؤْمِنُ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً سَرَّتْهُ وَرَجَا ثَوَابَهَا وَإِذَا عَمِلَ سَيِّئَةً أَحْزَنَتْهُ وَخَافَ عِقَابَهَا" رَوَاهُ اِبْن مَرْدَوَيْهِ وَهَذَا أَيْضًا مُنْقَطِع وَاَللَّه أَعْلَم. وَأَمَّا الْكَلَام عَلَى تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ أَوَّلًا بِالتَّوَجُّهِ إِلَى بَيْت الْمَقْدِس ثُمَّ حَوَّلَهُمْ إِلَى الْكَعْبَة شَقَّ ذَلِكَ عَلَى نُفُوس طَائِفَة مِنْ أَهْل الْكِتَاب وَبَعْض الْمُسْلِمِينَ فَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى بَيَان حِكْمَته فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَاد إِنَّمَا هُوَ طَاعَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَامْتِثَال أَوَامِره وَالتَّوَجُّه حَيْثُمَا وَجَّهَ وَاتِّبَاع مَا شَرَعَ فَهَذَا هُوَ الْبِرّ وَالتَّقْوَى وَالْإِيمَان الْكَامِل وَلَيْسَ فِي لُزُوم التَّوَجُّه إِلَى جِهَة مِنْ الْمَشْرِق أَوْ الْمَغْرِب بِرّ وَلَا طَاعَة إِنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ أَمْر اللَّه وَشَرْعه وَلِهَذَا قَالَ " لَيْسَ الْبِرّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهكُمْ قِبَل الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب وَلَكِنَّ الْبِرّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر " الْآيَة كَمَا قَالَ فِي الْأَضَاحِيّ وَالْهَدَايَا لَنْ يَنَال اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ " وَقَالَ الْعَوْفِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي هَذِهِ الْآيَة لَيْسَ الْبِرّ أَنْ تُصَلُّوا وَلَا تَعْمَلُوا فَهَذَا حِين تَحَوَّلَ مِنْ مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة وَنَزَلَتْ الْفَرَائِض وَالْحُدُود فَأَمَرَ اللَّه بِالْفَرَائِضِ وَالْعَمَل بِهَا وَرُوِيَ عَنْ الضَّحَّاك وَمُقَاتِل نَحْو ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة : كَانَتْ الْيَهُود تُقْبَل قِبَل الْمَغْرِب وَكَانَتْ النَّصَارَى تُقْبَل قِبَل الْمَشْرِق فَقَالَ اللَّه تَعَالَى " لَيْسَ الْبِرّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهكُمْ قِبَل الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب " يَقُول هَذَا كَلَام الْإِيمَان وَحَقِيقَته الْعَمَل وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن وَالرَّبِيع بْن أَنَس مِثْله . وَقَالَ مُجَاهِد : وَلَكِنَّ الْبِرّ مَا ثَبَتَ فِي الْقُلُوب مِنْ طَاعَة اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ الضَّحَّاك : وَلَكِنَّ الْبِرّ وَالتَّقْوَى أَنْ تُؤَدُّوا الْفَرَائِض عَلَى وُجُوههَا وَقَالَ الثَّوْرِيّ : " وَلَكِنَّ الْبِرّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ" الْآيَة قَالَ هَذِهِ أَنْوَاع الْبِرّ كُلّهَا وَصَدَقَ رَحِمَهُ اللَّه فَإِنَّ مَنْ اِتَّصَفَ بِهَذِهِ الْآيَة فَقَدْ دَخَلَ فِي عُرَى الْإِسْلَام كُلّهَا وَأَخَذَ بِمَجَامِع الْخَيْر كُلّه وَهُوَ الْإِيمَان بِاَللَّهِ وَأَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا هُوَ وَصَدَّقَ بِوُجُودِ الْمَلَائِكَة الَّذِينَ هُمْ سَفَرَة بَيْن اللَّه وَرُسُله " وَالْكِتَاب " وَهُوَ اِسْم جِنْس يَشْمَل الْكُتُب الْمُنَزَّلَة مِنْ السَّمَاء عَلَى الْأَنْبِيَاء حَتَّى خُتِمَتْ بِأَشْرَفِهَا وَهُوَ الْقُرْآن الْمُهَيْمِن عَلَى مَا قَبْله مِنْ الْكُتُب الَّذِي اِنْتَهَى إِلَيْهِ كُلّ خَيْر وَاشْتَمَلَ عَلَى كُلّ سَعَادَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَنُسِخَ بِهِ كُلّ مَا سِوَاهُ مِنْ الْكُتُب قَبْله وَآمَنَ بِأَنْبِيَاءِ اللَّه كُلّهمْ مِنْ أَوَّلهمْ إِلَى خَاتَمهمْ مُحَمَّد صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَقَوْله " وَآتَى الْمَال عَلَى حُبّه " أَيْ أَخْرَجَهُ وَهُوَ مُحِبّ لَهُ رَاغِب فِيهِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ اِبْن مَسْعُود وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَغَيْرهمَا مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعًا " أَفْضَل الصَّدَقَة أَنْ تَصَّدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَأْمَلُ الْغِنَى وَتَخْشَى الْفَقْرَ " . وَقَدْ رَوَى الْحَاكِم فِي مُسْتَدْرَكه مِنْ حَدِيث شُعْبَة وَالثَّوْرِيّ عَنْ مَنْصُور عَنْ زُبَيْد عَنْ مُرَّة عَنْ اِبْن مَسْعُود قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَآتَى الْمَال عَلَى حُبّه أَنْ تُعْطِيه وَأَنْتَ صَحِيحٌ تَأْمَلُ الْعَيْش وَتَخْشَى الْفَقْر " ثُمَّ قَالَ صَحِيح عَلَى شَرْط الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ . " قُلْت" وَقَدْ رَوَاهُ وَكِيع عَنْ الْأَعْمَش وَسُفْيَان عَنْ زُبَيْد عَنْ مُرَّة عَنْ اِبْن مَسْعُود مَوْقُوفًا وَهُوَ أَصَحُّ وَاَللَّه أَعْلَم. وَقَالَ تَعَالَى " وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شَكُورًا " وَقَالَ تَعَالَى " لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ " وَقَوْله " وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ " نَمَطٌ آخَرُ أَرْفَعُ مِنْ هَذَا وَهُوَ أَنَّهُمْ آثَرَوْا بِمَا هُمْ مُضْطَرُّونَ إِلَيْهِ وَهَؤُلَاءِ أَعْطَوْا وَأَطْعَمُوا مَا هُمْ مُحِبُّونَ لَهُ وَقَوْله" ذَوِي الْقُرْبَى " وَهُمْ قَرَابَات الرَّجُل وَهُمْ أَوْلَى مَنْ أَعْطَى مِنْ الصَّدَقَة كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيث " الصَّدَقَةُ عَلَى الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ وَعَلَى ذَوِي الرَّحِم ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ فَهُمْ أَوْلَى النَّاس بِك بِبِرِّك وَإِعْطَائِك " وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ فِي غَيْر مَوْضِع مِنْ كِتَابه الْعَزِيز " وَالْيَتَامَى " هُمْ الَّذِينَ لَا كَاسِبَ لَهُمْ وَقَدْ مَاتَ آبَاؤُهُمْ وَهُمْ ضُعَفَاء صِغَار دُون الْبُلُوغ وَالْقُدْرَة عَلَى التَّكَسُّب وَقَدْ قَالَ : عَبْد الرَّزَّاق أَنْبَأَنَا مَعْمَر عَنْ جُوَيْبِر عَنْ الضَّحَّاك عَنْ النَّزَّال بْن سَبْرَة عَنْ عَلِيّ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا يُتْمَ بَعْد حُلُمٍ " " وَالْمَسَاكِين " وَهُمْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَكْفِيهِمْ فِي قُوتهمْ وَكِسْوَتهمْ وَسُكْنَاهُمْ فَيُعْطَوْنَ مَا تُسَدُّ بِهِ حَاجَتُهُمْ وَخَلَّتهمْ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَيْسَ الْمِسْكِين بِهَذَا الطَّوَّاف الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَاللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَلَكِنَّ الْمِسْكِين الَّذِي لَا يَجِد غِنًى يُغْنِيه وَلَا يُفْطَن لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ " " وَابْن السَّبِيل " وَهُوَ الْمُسَافِر الْمُجْتَاز الَّذِي قَدْ فَرَغَتْ نَفَقَتُهُ فَيُعْطَى مَا يُوَصِّلُهُ إِلَى بَلَدِهِ وَكَذَا الَّذِي يُرِيد سَفَرًا فِي طَاعَة فَيُعْطَى مَا يَكْفِيه فِي ذَهَابه وَإِيَابه وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الضَّيْف كَمَا قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ : اِبْن السَّبِيل هُوَ الضَّيْفُ الَّذِي يَنْزِل بِالْمُسْلِمِينَ وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَأَبُو جَعْفَر الْبَاقِر وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك وَالزُّهْرِيّ وَالرَّبِيع بْن أَنَس وَمُقَاتِل بْن حَيَّان" وَالسَّائِلِينَ " وَهُمْ الَّذِينَ يَتَعَرَّضُونَ لِلطَّلَبِ فَيُعْطَوْنَ مِنْ الزَّكَوَات وَالصَّدَقَات كَمَا قَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا وَكِيع وَعَبْد الرَّحْمَن قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَان عَمّ مُصْعَب بْن مُحَمَّد عَنْ يَعْلَى بْن أَبِي يَحْيَى عَنْ فَاطِمَة بِنْت الْحُسَيْن عَنْ أَبِيهَا - قَالَ عَبْد الرَّحْمَن حُسَيْن بْن عَلِيّ - قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لِلسَّائِلِ حَقٌّ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد " وَفِي الرِّقَاب" وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُؤَدُّونَهُ فِي كِتَابَتهمْ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ فِي آيَة الصَّدَقَات مِنْ بَرَاءَة إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَقَدْ قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا يَحْيَى بْن عَبْد الْحَمِيد حَدَّثَنَا شَرِيك عَنْ أَبِي حَمْزَة عَنْ الشَّعْبِيّ حَدَّثَتْنِي فَاطِمَة بِنْت قَيْس أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفِي الْمَال حَقٌّ سِوَى الزَّكَاة ؟ قَالَتْ فَتَلَا عَلَيَّ " وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ " . وَرَوَاهُ اِبْن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيث آدَم بْن إِيَاس وَيَحْيَى بْن عَبْد الْحَمِيد كِلَاهُمَا عَنْ شَرِيك عَنْ أَبِي حَمْزَة عَنْ الشَّعْبِيّ عَنْ فَاطِمَة بِنْت قَيْس قَالَتْ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ " ثُمَّ قَرَأَ لَيْسَ الْبِرّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَل الْمَشْرِق وَالْمَغْرِب - إِلَى قَوْله - وَفِي الرِّقَاب " وَأَخْرَجَهُ اِبْن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيّ وَضَعَّفَ أَبَا حَمْزَة مَيْمُونًا الْأَعْوَر وَقَدْ رَوَاهُ سَيَّار لِإِسْمَاعِيل بْن سَالِم عَنْ الشَّعْبِيّ وَقَوْله وَأَقَامَ الصَّلَاة أَيْ وَأَتَمَّ أَفْعَال الصَّلَاة فِي أَوْقَاتهَا بِرُكُوعِهَا وَسُجُودهَا وَطُمَأْنِينَتهَا وَخُشُوعهَا عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ الْمَرْضِيِّ وَقَوْله " آتَى الزَّكَاة " يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِهِ زَكَاة النَّفْس وَتَخْلِيصهَا مِنْ الْأَخْلَاق الدَّنِيئَة الرَّذِيلَة كَقَوْلِهِ " قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا " وَقَوْل مُوسَى لِفِرْعَوْن : " هَلْ لَك إِلَى أَنْ تَزَكَّى وَأَهْدِيَك إِلَى رَبِّك فَتَخْشَى" وَقَوْله تَعَالَى " وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ " وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد زَكَاة الْمَال كَمَا قَالَهُ سَعِيد بْن جُبَيْر وَمُقَاتِل بْن حَيَّان وَيَكُون الْمَذْكُور مِنْ إِعْطَاء هَذِهِ الْجِهَات وَالْأَصْنَاف الْمَذْكُورِينَ إِنَّمَا هُوَ التَّطَوُّع وَالْبِرّ وَالصِّلَة وَلِهَذَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيث عَنْ فَاطِمَة بِنْت قَيْس " أَنَّ فِي الْمَال حَقًّا سِوَى الزَّكَاة" وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَوْله " وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا " كَقَوْلِهِ " الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّه وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاق " وَعَكْس هَذِهِ الصِّفَة النِّفَاق كَمَا صَحَّ الْحَدِيث " آيَةُ الْمُنَافِق ثَلَاث إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ " وَفِي الْحَدِيث الْآخَر" إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ" وَقَوْله " وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَحِين الْبَأْس أَيْ فِي حَال الْفَقْر وَهُوَ الْبَأْسَاء وَفِي حَال الْمَرَض وَالْأَسْقَام وَهُوَ الضَّرَّاء " وَحِين الْبَأْس " أَيْ فِي حَال الْقِتَال وَالْتِقَاء الْأَعْدَاء قَالَهُ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَأَبُو الْعَالِيَة وَمُرَّة الْهَمْدَانِيّ وَمُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَالْحَسَن وَقَتَادَة وَالرَّبِيع بْن أَنَس وَالسُّدِّيّ وَمُقَاتِل بْن حَيَّان وَأَبُو مَالِك وَالضَّحَّاك وَغَيْرهمْ وَإِنَّمَا نَصَبَ الصَّابِرِينَ عَلَى الْمَدْح وَالْحَثّ عَلَى الصَّبْر فِي هَذِهِ الْأَحْوَال لِشِدَّتِهِ وَصُعُوبَته وَاَللَّه أَعْلَم وَهُوَ الْمُسْتَعَان وَعَلَيْهِ التُّكْلَان : وَقَوْله " أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا " أَيْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ اِتَّصَفُوا بِهَذِهِ الصِّفَات هُمْ الَّذِينَ صَدَقُوا فِي إِيمَانهمْ لِأَنَّهُمْ حَقَّقُوا الْإِيمَان الْقَلْبِيّ بِالْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَال فَهَؤُلَاءِ هُمْ الَّذِينَ صَدَقُوا " وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ" لِأَنَّهُمْ اِتَّقُوا الْمَحَارِم وَفَعَلُوا الطَّاعَات .
كتب عشوائيه
- سبعون مسألة في الصيامسبعون مسألة في الصيام: فإن الله قد امتن على عباده بمواسم الخيرات، فيها تضاعف الحسنات، وتُمحى السيئات، وتُرفع الدرجات، ومن أعظم هذه المواسم شهر رمضان الذي فرضه الله على العباد، ورغبهم فيه، وأرشدهم إلى شكره على فرضه، ولما كان قدر هذه العبادة عظيمًا كان لابدّ من تعلّم الأحكام المتعلقة بشهر الصيام، وهذه الرسالة تتضمن خلاصات في أحكام الصيام وآدابه وسننه.
المؤلف : محمد صالح المنجد
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/1873
- رسالة إلى كل وافدرسالة الى كل وافد: قال المصنف - حفظه الله -: «فإنه يعيش بين أظهرنا وتحت سماءنا أحبة كرام وفدوا إلينا من مختلف الأقطار العربية والإسلامية, ولِمَا علمت من حقوقهم علينا وتأملت خلو الساحة من كتيب موجه لهم - رغم كثرتهم - وحاجتهم لذلك سطرت بعض صفحات يسيرة ونقاط سريعة مُقدِّمًا اعتذاري عن قصر المادة المطروحة ونقصها».
المؤلف : عبد الملك القاسم
الناشر : دار القاسم - موقع الكتيبات الإسلامية http://www.ktibat.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/228671
- تذكير الأنام بشأن صلة الأرحامتذكير الأنام بشأن صلة الأرحام: رسالة مختصرة في التذكير بصلة الرحِم، وفضلها، وأحكامها، وفوائد تتعلَّق بها.
المؤلف : عبد الله بن صالح القصير
الناشر : شبكة الألوكة http://www.alukah.net
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/330471
- هكذا أسلمت [ بحثٌ عن الحقيقة لمدة عام ]هكذا أسلمت [ بحثٌ عن الحقيقة لمدة عام ]: بحثٌ طريفٌ كتبَتْه فتاةٌ مُثقَّفة قبطية تقلَّبَت في أعطاف النصرانية عشرين عامًا. ومع تعمُّقها في دراسة التوراة والإنجيل لم تجد راحة النفس ولا طُمأنينة الروح، واستولَت عليها حَيرةٌ مُؤلِمةٌ مُمِضَّة! إلى أن نهَضَت بعزيمةٍ مُتوثِّبة إلى دراسة القرآن دراسةً موضوعية مُدقّقة، مع مُوازَنة أحكامه وبيانه بما عرَفَته في الكتاب المُقدَّس. وفي أثناء رحلتها هذه سطَّرَت بعض الرُّؤَى والمُلاحظات والحقائق الجديرة بالاطِّلاع والتأمُّل!
الناشر : شبكة الألوكة http://www.alukah.net
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/341371
- مجمل اعتقاد أئمة السلفمجمل اعتقاد أئمة السلف : فإِن المُتَتبع لما أُثِر عن سلفنا الصالح في أصول الدين، يجد اتفاقًا في جُلِّ مسائِله، ويجد اعتناءً خاصا بقضايا العقيدة، واهتمامًا بها في التعليم والتوجيه والدعوة على خلاف ما نراه اليوم في كثير من بلاد العالم الإِسلامي، مما أحدث شيئًا من الاختلاف والتَّخبّطِ لدى بعض الجماعات والطوائف الإِسلامية، وفي هذه الرسالة مجمل لاعتقادهم مجموعة من أقوالهم، مقدمًا لهذه النصوص بمقدمةٍ عن أهمية توحيد الله في رُبوبيَّتِه، وألوهيَّته، وأسمائه، وصفاته، وكيف بَيَّن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ذلك أتمَّ بيانٍ وأكمله، وكيف خدم علماءُ المسلمين جيلًا بعد جيلٍ العقيدةَ الإِسلامية، وأثر ذلك في مجتمعاتهم إِلى وقتنا الحاضر.
المؤلف : عبد الله بن عبد المحسن التركي
الناشر : موقع الإسلام http://www.al-islam.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/144879












