القرآن الكريم » تفسير ابن كثر » سورة ص
قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ۖ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ۗ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۩ (24) (ص) 

قَدْ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ هَهُنَا قِصَّة أَكْثَرهَا مَأْخُوذ مِنْ الْإِسْرَائِيلِيَّات وَلَمْ يَثْبُت فِيهَا عَنْ الْمَعْصُوم حَدِيث يَجِب اِتِّبَاعه وَلَكِنْ رَوَى اِبْن أَبِي حَاتِم هُنَا حَدِيثًا لَا يَصِحّ سَنَده لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَة يَزِيد الرَّقَاشِيّ عَنْ أَنَس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَيَزِيد وَإِنْ كَانَ مِنْ الصَّالِحِينَ لَكِنَّهُ ضَعِيف الْحَدِيث عِنْد الْأَئِمَّة فَالْأَوْلَى أَنْ يُقْتَصَر عَلَى مُجَرَّد تِلَاوَة هَذِهِ الْقِصَّة وَأَنْ يُرَدَّ عِلْمهَا إِلَى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّ الْقُرْآن حَقّ وَمَا تَضَمَّنَ فَهُوَ حَقّ أَيْضًا وَقَوْله تَعَالَى " فَفَزِعَ مِنْهُمْ " إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي مِحْرَابه وَهُوَ أَشْرَف مَكَان فِي دَاره وَكَانَ قَدْ أَمَرَ أَنْ لَا يَدْخُل عَلَيْهِ أَحَد ذَلِكَ الْيَوْم فَلَمْ يَشْعُر إِلَّا بِشَخْصَيْنِ قَدْ تَسَوَّرَا عَلَيْهِ الْمِحْرَاب أَيْ اِحْتَاطَا بِهِ يَسْأَلَانِهِ عَنْ شَأْنهمَا وَقَوْله عَزَّ وَجَلَّ " وَعَزَّنِي فِي الْخِطَاب " أَيْ غَلَبَنِي يُقَال عَزَّ يَعِزّ إِذَا قَهَرَ وَغَلَبَ وَقَوْله تَعَالَى " وَظَنَّ دَاوُد إِنَّمَا فَتَنَّاهُ " قَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَيْ اِخْتَبَرْنَاهُ وَقَوْله تَعَالَى " وَخَرَّ رَاكِعًا " أَيْ سَاجِدًا " وَأَنَابَ " وَيَحْتَمِل أَنَّهُ رَكَعَ أَوَّلًا ثُمَّ سَجَدَ بَعْد ذَلِكَ وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهُ اِسْتَمَرَّ سَاجِدًا " أَرْبَعِينَ صَبَاحًا " فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ أَيْ مَا كَانَ مِنْهُ مِمَّا يُقَال فِيهِ إِنَّ حَسَنَات الْأَبْرَار سَيِّئَات الْمُقَرَّبِينَ وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْأَئِمَّة فِي سَجْدَة ص هَلْ هِيَ مِنْ عَزَائِم السُّجُود ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ الْجَدِيد مِنْ مَذْهَب الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِم السُّجُود بَلْ هِيَ سَجْدَة شُكْر وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد حَيْثُ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيل هُوَ اِبْن عُلَيَّة عَنْ أَيُّوب عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ فِي السَّجْدَة فِي ص لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِم السُّجُود وَقَدْ رَأَيْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُد فِيهَا وَرَوَاهُ الْبُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي تَفْسِيره مِنْ حَدِيث أَيُّوب بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَسَن صَحِيح وَقَالَ النَّسَائِيّ أَيْضًا عِنْد تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيم بْن الْحَسَن هُوَ الْمِقْسَمِيّ حَدَّثَنَا حَجَّاج بْن مُحَمَّد عَنْ عُمَر بْن ذَرّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا قَالَ : إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِي ص وَقَالَ " سَجَدَهَا دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تَوْبَة وَنَسْجُدهَا شُكْرًا " تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ النَّسَائِيّ وَرِجَال إِسْنَاده كُلّهمْ ثِقَات وَقَدْ أَخْبَرَنِي شَيْخنَا الْحَافِظ أَبُو الْحَجَّاج الْمِزِّيّ قِرَاءَة عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَع أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاق المدرجي أَخْبَرَنَا زَاهِر بْن أَبِي طَاهِر الثَّقَفِيّ حَدَّثَنَا زَاهِر بْن أَبِي طَاهِر الشحامي أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيد الكنجدروذي أَخْبَرَنَا الْحَاكِم أَبُو أَحْمَد مُحَمَّد بْن مُحَمَّد الْحَافِظ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاس السَّرَّاج حَدَّثَنَا هَارُون بْن عَبْد اللَّه حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يَزِيد اِبْن خُنَيْس عَنْ الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي يَزِيد قَالَ : قَالَ لِي اِبْن جُرَيْج يَا حَسَن حَدَّثَنِي جَدّك عُبَيْد اللَّه بْن أَبِي يَزِيد عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا فَقَالَ جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه إِنِّي رَأَيْت فِيمَا يَرَى النَّائِم كَأَنِّي أُصَلِّي خَلْف شَجَرَة فَقَرَأْت السَّجْدَة فَسَجَدْت فَسَجَدَتْ الشَّجَرَة بِسُجُودِي فَسَمِعْتهَا تَقُول وَهِيَ سَاجِدَة : اللَّهُمَّ اُكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدك أَجْرًا وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدك ذُخْرًا وَضَعْ بِهَا عَنِّي وِزْرًا وَاقْبَلْهَا مِنِّي كَمَا قَبِلْتَهَا مِنْ عَبْدك دَاوُد قَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا فَرَأَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَقَرَأَ السَّجْدَة ثُمَّ سَجَدَ فَسَمِعْته يَقُول وَهُوَ سَاجِد كَمَا حَكَى الرَّجُل مِنْ كَلَام الشَّجَرَة رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ قُتَيْبَة وَابْن مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْر بْن خَلَّاد كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّد بْن يَزِيد بْن خُنَيْس نَحْوه وَقَالَ التِّرْمِذِيّ غَرِيب لَا نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْه وَقَالَ الْبُخَارِيّ عِنْد تَفْسِيرهَا أَيْضًا حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عُبَيْد الطَّنَافِسِيّ عَنْ الْعَوَّام قَالَ سَأَلْت مُجَاهِدًا عَنْ سَجْدَة ص فَقَالَ : سَأَلْت اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا مِنْ أَيْنَ سَجَدْت فَقَالَ أَوَمَا تَقْرَأ " وَمِنْ ذُرِّيَّته دَاوُد وَسُلَيْمَان " أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّه فَبِهُدَاهُمْ اِقْتَدِهِ " فَكَانَ دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مِمَّنْ أُمِرَ نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْتَدِي بِهِ فَسَجَدَهَا دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَسَجَدَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا عَفَّان حَدَّثَنَا يَزِيد بْن زُرَيْع حَدَّثَنَا حُمَيْد حَدَّثَنَا بَكْر هُوَ اِبْن عَبْد اللَّه الْمُزَنِيّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ رَأَى رُؤْيَا أَنَّهُ يَكْتُب ص فَلَمَّا بَلَغَ إِلَى الْآيَة الَّتِي يُسْجَد بِهَا رَأَى الدَّوَاة وَالْقَلَم وَكُلّ شَيْء بِحَضْرَتِهِ اِنْقَلَبَ سَاجِدًا قَالَ فَقَصَّهَا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَزَلْ يَسْجُد بِهَا بَعْدُ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَد وَقَالَ أَبُو دَاوُد حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن صَالِح حَدَّثَنَا اِبْن وَهْب أَخْبَرَنِي عَمْرو بْن الْحَارِث عَنْ سَعِيد بْن أَبِي هِلَال عَنْ عِيَاض بْن عَبْد اللَّه بْن سَعْد بْن أَبِي سَرْح عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَر " ص " فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَة نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاس مَعَهُ فَلَمَّا كَانَ يَوْم آخَر قَرَأَهَا فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَة تَشَزَّنَ النَّاس لِلسُّجُودِ فَقَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّمَا هِيَ تَوْبَة نَبِيّ وَلَكِنِّي رَأَيْتُكُمْ تَشَزَّنْتُمْ " فَنَزَلَ وَسَجَدَ تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُد وَإِسْنَاده عَلَى شَرْط الصَّحِيح .
كتب عشوائيه
- دراسات في الباقيات الصالحاتدراسات في الباقيات الصالحات: قال المصنف - حفظه الله -: «فلا يخفى على جميع المسلمين ما للكلمات الأربع: «سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر» من مكانةٍ في الدين عظيمة، ومنزلةٍ في الإسلام رفيعة؛ فهنَّ أفضل الكلمات وأجلّهنَّ، وهنَّ من القرآن .. إلى غير ذلك من صنوف الفضائل وأنواع المناقب، مما يدلُّ على عظيم شرف هؤلاء الكلمات عند الله وعلوّ منزلتهن عنده، وكثرة ما يترتَّب عليهنَّ من خيراتٍ متواصلة وفضائل متوالية في الدنيا والآخرة؛ لذا رأيتُ من المفيد لي ولإخواني المسلمين أن أجمع في بحثٍ مختصر بعض ما ورد في الكتاب والسنة من فضائل لهؤلاء الكلمات الأربع مع بيان دلالاتهنَّ ومُقتضايتهنَّ».
المؤلف : عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر
الناشر : موقع الشيخ عبد الرزاق البدر http://www.al-badr.net
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/344668
- فصول في أصول التفسيرفصول في أصول التفسير : تحتوي الرسالة على عدة مباحث مثل: حكم التفسير وأقسامه، طرق التفسير، اختلاف السلف في التفسير وأسبابه، الأصول التي يدور عليها التفسير، طريقة السلف في التفسير، قواعد التفسير، توجيه القراءات وأثره في التفسير.
المؤلف : مساعد بن سليمان الطيار
الناشر : دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع www.aljawzi.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/291772
- فقه الواقعفقه الواقع: فإن المتأمل في واقع الأمة الإسلامية في العصور المتأخرة يتألَّم لما آلَت إليه الحال، وما وصلت إليه من مستوى يندَى له الجبين، وقد قلَّبتُ النظر في هذا الواقع متلمِّسًا الأسباب، وباحثًا عن سُبل العلاج، محاولاً المساهمة في الخروج من هذا الوضع إلى المكانة التي تليق بنا، نصحًا للأمة، وإبراءً للذمة. ونجِد الشيخ - حفظه الله - في هذا المُؤلَّف قد أصَّل لهذا الموضوع وبيَّنه بيانًا شافيًا.
المؤلف : ناصر بن سليمان العمر
الناشر : موقع المسلم http://www.almoslim.net
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/337577
- الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة المسلمةالدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة: يتكون الكتاب من عدة فصول، تبين الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة في مرحلة الطفولة، ثم مرحلة المراهقة. الفصل الأول: التنشئة الإيمانية والجسمية للفتاة المسلمة. الفصل الثاني: التنشئة الوجدانية والفكرية للفتاة المسلمة. الفصل الثالث: التنشئة الجمالية والاجتماعية للفتاة المسلمة. الفصل الرابع: مقومات شخصية الوالدين اللازمة لتنشئة الفتاة المسلمة.
المؤلف : حنان بنت عطية الطوري الجهني
الناشر : مجلة البيان http://www.albayan-magazine.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/205663
- من أخطاء الزوجاتمن أخطاء الزوجات : لاريب أن الزوجة الصالحة هي التجارة الرابحة، وأنها من عاجل البشرى، ومن أمارات السعادة. وإن مما يعين على صلاح الزوجات، وقيامهن بالحقوق المناطة بهن أن تلقى الأضواء على بعض مايصدر منهن من أخطاء، فذلك أدعى لتشخيص الداء ومعرفة الدواء.
المؤلف : محمد بن إبراهيم الحمد
الناشر : موقع دعوة الإسلام http://www.toislam.net
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/172564