القرآن الكريم » تفسير ابن كثر » سورة فصلت
قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ۚ ذَٰلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) (فصلت) 
هَذَا إِنْكَار مِنْ اللَّه تَعَالَى عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ عَبَدُوا مَعَهُ غَيْره وَهُوَ الْخَالِق لِكُلِّ شَيْء الْقَاهِر لِكُلِّ شَيْء الْمُقْتَدِر عَلَى كُلّ شَيْء فَقَالَ " قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِاَلَّذِي خَلَقَ الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا " أَيْ نُظَرَاء وَأَمْثَالًا تَعْبُدُونَهَا مَعَهُ " ذَلِكَ رَبّ الْعَالَمِينَ" أَيْ الْخَالِق لِلْأَشْيَاءِ هُوَ رَبّ الْعَالَمِينَ كُلّهمْ . وَهَذَا الْمَكَان فِيهِ تَفْصِيل لِقَوْلِهِ تَعَالَى " خَلَقَ السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام " فَفَصَّلَ هَهُنَا مَا يَخْتَصّ بِالْأَرْضِ مِمَّا اِخْتَصَّ بِالسَّمَاءِ فَذَكَرَ أَنَّهُ خَلَقَ الْأَرْض أَوَّلًا لِأَنَّهَا كَالْأَسَاسِ وَالْأَصْل أَنْ يَبْدَأ بِالْأَسَاسِ ثُمَّ بَعْده بِالسَّقْفِ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ " هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْع سَمَوَات " الْآيَة فَأَمَّا قَوْله تَعَالَى " أَأَنْتُمْ أَشَدّ خَلْقًا أَمْ السَّمَاء بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكهَا فَسَوَّاهَا وَأَغْطَشَ لَيْلهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا وَالْأَرْض بَعْد ذَلِكَ دَحَاهَا أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا وَالْجِبَال أَرْسَاهَا مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ " فَفِي هَذِهِ الْآيَة أَنَّ دَحْو الْأَرْض كَانَ بَعْد خَلْق السَّمَاء فَالدَّحْو هُوَ مُفَسَّر بِقَوْلِهِ " أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا " وَكَانَ هَذَا بَعْد خَلْق السَّمَاء فَأَمَّا خَلْق الْأَرْض فَقَبْل خَلْق السَّمَاء بِالنَّصِّ وَبِهَذَا أَجَابَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ فِيمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ عِنْد تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة مِنْ صَحِيحه فَإِنَّهُ قَالَ : وَقَالَ الْمِنْهَال عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر قَالَ : قَالَ رَجُل لِابْنِ عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا إِنِّي لَأَجِد فِي الْقُرْآن أَشْيَاء تَخْتَلِف عَلَيَّ قَالَ " فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ يَوْمئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ " " وَأَقْبَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ" " وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّه حَدِيثًا " " وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ " فَقَدْ كَتَمُوا فِي هَذِهِ الْآيَة . وَقَالَ تَعَالَى" أَأَنْتُمْ أَشَدّ خَلْقًا أَمْ السَّمَاء بَنَاهَا - إِلَى قَوْله - وَالْأَرْض بَعْد ذَلِكَ دَحَاهَا " فَذَكَرَ خَلْق السَّمَاء قَبْل الْأَرْض ثُمَّ قَالَ تَعَالَى " قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِاَلَّذِي خَلَقَ الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ - إِلَى قَوْله - طَائِعِينَ " فَذَكَرَ فِي هَذِهِ خَلْق الْأَرْض قَبْل خَلْق السَّمَاء قَالَ " وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا " " عَزِيزًا حَكِيمًا " " سَمِيعًا بَصِيرًا " فَكَأَنَّهُ كَانَ ثُمَّ مَضَى ؟ قَالَ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا " فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ يَوْمئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ " فِي النَّفْخَة الْأُولَى ثُمَّ " نُفِخَ فِي الصُّور فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه " فَلَا أَنْسَاب بَيْنهمْ عِنْد ذَلِكَ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ بَيْنهمْ فِي النَّفْخَة الْأُخْرَى" وَأَقْبَلَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ " وَأَمَّا قَوْله" وَاَللَّه رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ " " وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّه حَدِيثًا " فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى يَغْفِر لِأَهْلِ الْإِخْلَاص ذُنُوبهمْ فَيَقُول الْمُشْرِكُونَ تَعَالَوْا نَقُول لَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ فَيُخْتَم عَلَى أَفْوَاههمْ فَتَنْطِق أَيْدِيهمْ فَعِنْد ذَلِكَ يَعْرِف أَنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يُكْتَم حَدِيثًا وَعِنْده " يَوَدّ الَّذِينَ كَفَرُوا " الْآيَة وَخَلَقَ الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاء ثُمَّ اِسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ ثُمَّ دَحَى الْأَرْض وَدَحْيهَا أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاء وَالْمَرْعَى وَخَلَقَ الْجِبَال وَالرِّمَال وَالْجَمَاد وَالْآكَام وَمَا بَيْنهمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ فَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى دَحَاهَا وَقَوْله" خَلَقَ الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ " فَخَلَقَ الْأَرْض وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْء فِي أَرْبَعَة أَيَّام وَخَلَقَ السَّمَاوَات فِي يَوْمَيْنِ" وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا " سَمَّى نَفْسه بِذَلِكَ وَذَلِكَ قَوْله أَيْ لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ فَإِنَّ اللَّه تَعَالَى لَمْ يُرِدْ شَيْئًا إِلَّا أَصَابَ بِهِ الَّذِي أَرَادَ فَلَا يَخْتَلِفَنَّ عَلَيْك الْقُرْآن فَإِنَّ كُلًّا مَنْ عِنْد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ قَالَ الْبُخَارِيّ حَدَّثَنِيهِ يُوسُف بْن عَدِيّ حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن عَمْرو عَنْ زَيْد بْن أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ الْمِنْهَال - هُوَ اِبْن عَمْرو - الْحَدِيث . وَقَوْله " خَلَقَ الْأَرْض فِي يَوْمَيْنِ " يَعْنِي يَوْم الْأَحَد وَيَوْم الْاِثْنَيْنِ .
كتب عشوائيه
- الصداقة بين العلماء [ نماذج تطبيقية معاصرة ]الصداقة بين العلماء : إليكم معاشر القراء نماذج لثلاثة من العلماء المعاصرين المتأخرين تؤكد هذا المعنى وتبرهن عليه؛ حيث سيتناول الحديث نظرتهم للصداقة، وقيامهم بحقها. وهؤلاء العلماء هم: صاحب الفضيلة الشيخ العلامة محمد الخضر حسين ت 1377، وصاحب الفضيلة الشيخ العلامة محمد البشير الإبراهيمي ت 1385، وصاحب السماحة الإمام شيخنا الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز ت 1420هـ- رحمهم الله -. والباعث على اختيار أولئك الأعلام ما يأتي: 1- الشهرة الواسعة لأولئك الثلاثة. 2- كثرة علاقاتهم بعلماء عصرهم. 3- أنهم من بلاد متفرقة، فالشيخ الخضر من تونس، والشيخ الإبراهيمي من الجزائر، والشيخ ابن باز من السعودية.
المؤلف : محمد بن إبراهيم الحمد
الناشر : موقع دعوة الإسلام http://www.toislam.net
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/172585
- أحكام الداخل في الإسلامأحكام الداخل في الإسلام : دراسة فقهية مقارنة، فيما عدا أحكام الأسرة، وهو بحث مقدم لنيل درجة الدكتوراة في الفقه الإسلامي من جامعة أم القرى بمكة المكرمة.
المؤلف : سالم حمزة أمين مدني
الناشر : جامعة أم القرى بمكة المكرمة http://uqu.edu.sa
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/320710
- حياة المرضيينحياة المرضيين : إن شباب المسلمين في أشد ما يكونون اليوم حاجة إلى معرفة فضائل أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكرم معدنهم وأثر تربية رسول الله فيهم، وما كانوا عليه من علو المنزلة التي صاروا بها الجيل المثالي الفذ في تاريخ البشر، لذا كانت هذه الرسالة والتي بينت بعض فضائل الصحابة رضي الله عنهم.
المؤلف : توفيق بن محمد مصيري
الناشر : موقع عقيده http://www.aqeedeh.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/287315
- الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشادلمعة الاعتقاد : رسالة مختصرة للعلامة ابن قدامة المقدسي - رحمه الله - بين فيها عقيدة أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات، والقدر، واليوم الآخر، وما يجب تجاه الصحابة، والموقف من أهل البدع، وقد قام عدد من أهل العلم بشرحها وبيان معانيها، ومن هؤلاء فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - رحمه الله - في كتابه الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد.
المؤلف : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
الناشر : دار طيبة للنشر والتوزيع
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/313420
- الخوف من الله وأحوال أهلهالخوف من الله وأحوال أهله : الخوف من الله تعالى سمة المؤمنين، وآية المتقين، وديدن العارفين، خوف الله تعالى في الدنيا طريقٌ للأمن في الآخرة، وسببٌ للسعادة في الدارين، فالخائف من الله تعالى عاقبته الأمن والسلام، وثوابه أن يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ذكر - صلى الله عليه وآله وسلم – السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم القيامة فذكر منهم:{ رجلا دعته امرأة ذات حسن وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين }، وذكر منهم:{ رجلا ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه}. وفي هذا الكتاب بيان لبعض أدلة الترغيب في الخوف من القرآن والسنة، مع ذكر أقوال السلف في ذلك، وبيان بعض احوالهم، ثم بيان بعض علامات وأسباب وثمرات الخوف من الله - عز وجل -.
المؤلف : مجدي فتحي السيد
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/67387












