خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ ۙ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ۚ تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ ۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (1) (الممتحنة) mp3
الْمُمْتَحِنَة ( بِكَسْرِ الْحَاء ) أَيْ الْمُخْتَبِرَة , أُضِيفَ الْفِعْل إِلَيْهَا مَجَازًا , كَمَا سُمِّيَتْ سُورَة " التَّوْبَة " الْمُبَعْثَرَة وَالْفَاضِحَة ; لِمَا كَشَفَتْ مِنْ عُيُوب الْمُنَافِقِينَ . وَمَنْ قَالَ فِي هَذِهِ السُّورَة : الْمُمْتَحَنَة ( بِفَتْحِ الْحَاء ) فَإِنَّهُ أَضَافَهَا إِلَى الْمَرْأَة الَّتِي نَزَلَتْ فِيهَا , وَهِيَ أُمّ كُلْثُوم بِنْت عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْط , قَالَ اللَّه تَعَالَى : " فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّه أَعْلَم بِإِيمَانِهِنَّ " [ الْمُمْتَحَنَة : 10 ] الْآيَة . وَهِيَ اِمْرَأَة عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف , وَلَدَتْ لَهُ إِبْرَاهِيم بْن عَبْد الرَّحْمَن .

" يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوّكُمْ أَوْلِيَاء " عَدَّى اِتَّخَذَ إِلَى مَفْعُولَيْنِ وَهُمَا " عَدُوّكُمْ أَوْلِيَاء " . وَالْعَدُوّ فَعُول مِنْ عَدَا , كَعَفُوّ مِنْ عَفَا . وَلِكَوْنِهِ عَلَى زِنَة الْمَصْدَر أَوْقَع عَلَى الْجَمَاعَة إِيقَاعه عَلَى الْوَاحِد .

رَوَى الْأَئِمَّة - وَاللَّفْظ لِمُسْلِمٍ - عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : بَعَثَنَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْر وَالْمِقْدَاد فَقَالَ : ( اِئْتُوا رَوْضَة خَاخ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَة مَعَهَا كِتَاب فَخُذُوهُ مِنْهَا ) فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلنَا , فَإِذَا نَحْنُ بِالْمَرْأَةِ , فَقُلْنَا : أَخْرِجِي الْكِتَاب , فَقَالَتْ : مَا مَعِي كِتَاب . فَقُلْنَا : لَتُخْرِجَنَّ الْكِتَاب أَوْ لَتُلْقِيَنَّ الثِّيَاب , فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصهَا . فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا فِيهِ : مِنْ حَاطِب بْن أَبِي بَلْتَعَةَ ... إِلَى نَاس مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْل مَكَّة يُخْبِرهُمْ بِبَعْضِ أَمْر رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا حَاطِب مَا هَذَا ؟ قَالَ لَا تَعْجَل عَلَيَّ يَا رَسُول اللَّه , إِنِّي كُنْت اِمْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْش - قَالَ سُفْيَان : كَانَ حَلِيفًا لَهُمْ , وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَنْفُسهَا - وَكَانَ مِمَّنْ كَانَ مَعَك مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَات يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ , فَأَحْبَبْت إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنْ النَّسَب فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذ فِيهِمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي , وَلَمْ أَفْعَلهُ كُفْرًا وَلَا اِرْتِدَادًا عَنْ دِينِي , وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْد الْإِسْلَام . فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( صَدَقَ ) . فَقَالَ عُمَر : دَعْنِي يَا رَسُول اللَّه أَضْرِب عُنُق هَذَا الْمُنَافِق . فَقَالَ : ( إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيك لَعَلَّ اللَّه اِطَّلَعَ عَلَى أَهْل بَدْر فَقَالَ اِعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ ) فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوّكُمْ أَوْلِيَاء " . قِيلَ : اِسْم الْمَرْأَة سَارَّة مِنْ مَوَالِي قُرَيْش . وَكَانَ فِي الْكِتَاب : " أَمَّا بَعْد , فَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَوَجَّهَ إِلَيْكُمْ بِجَيْشٍ كَاللَّيْلِ يَسِير كَالسَّيْلِ , وَأُقْسِم بِاَللَّهِ لَوْ لَمْ يَسِرْ إِلَيْكُمْ إِلَّا وَحْده لَأَظْفَرَهُ اللَّه بِكُمْ , وَأَنْجَزَ لَهُ مَوْعِده فِيكُمْ , فَإِنَّ اللَّه وَلِيّه وَنَاصِره . ذَكَرَهُ بَعْض الْمُفَسِّرِينَ . وَذَكَرَ الْقُشَيْرِيّ وَالثَّعْلَبِيّ : أَنَّ حَاطِب بْن أَبِي بَلْتَعَةَ كَانَ رَجُلًا مِنْ أَهْل الْيَمَن , وَكَانَ لَهُ حِلْف بِمَكَّة فِي بَنِي أَسَد بْن عَبْد الْعُزَّى رَهْط الزُّبَيْر بْن الْعَوَّام . وَقِيلَ : كَانَ حَلِيفًا لِلزُّبَيْرِ بْن الْعَوَّام , فَقَدِمَتْ مِنْ مَكَّة سَارَّة مَوْلَاة أَبِي عَمْرو بْن صَيْفِيّ بْن هِشَام بْن عَبْد مَنَاف إِلَى الْمَدِينَة وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَجَهَّز لِفَتْحِ مَكَّة . وَقِيلَ : كَانَ هَذَا فِي زَمَن الْحُدَيْبِيَة ; فَقَالَ لَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَمُهَاجِرَة جِئْت يَا سَارَّة ) . فَقَالَتْ لَا . قَالَ : ( أَمُسْلِمَة جِئْت ) قَالَتْ لَا . قَالَ : ( فَمَا جَاءَ بِك ) قَالَتْ : كُنْتُمْ الْأَهْل وَالْمَوَالِي وَالْأَصْل وَالْعَشِيرَة , وَقَدْ ذَهَبَ الْمَوَالِي - تَعْنِي قُتِلُوا يَوْم بَدْر - وَقَدْ اِحْتَجْت حَاجَة شَدِيدَة فَقَدِمْت عَلَيْكُمْ لِتُعْطُونِي وَتُكْسُونِي ; فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام : ( فَأَيْنَ أَنْتِ عَنْ شَبَاب أَهْل مَكَّة ) وَكَانَتْ مُغْنِيَة , قَالَتْ : مَا طُلِبَ مِنِّي شَيْء بَعْد وَقْعَة بَدْر . فَحَثَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي عَبْد الْمُطَّلِب وَبَنِي الْمُطَّلِب عَلَى إِعْطَائِهَا ; فَكَسَوْهَا وَأَعْطَوْهَا وَحَمَلُوهَا فَخَرَجَتْ إِلَى مَكَّة , وَأَتَاهَا حَاطِب فَقَالَ : أُعْطِيك عَشَرَة دَنَانِير وَبُرُدًا عَلَى أَنْ تُبَلِّغِي هَذَا الْكِتَاب إِلَى أَهْل مَكَّة . وَكَتَبَ فِي الْكِتَاب : أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدكُمْ فَخُذُوا حِذْركُمْ . فَخَرَجَتْ سَارَّة , وَنَزَلَ جِبْرِيل فَأَخْبَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ , فَبَعَثَ عَلِيًّا وَالزُّبَيْر وَأَبَا مَرْثَد الْغَنَوِيّ . وَفِي رِوَايَة : عَلِيًّا وَالزُّبَيْر وَالْمِقْدَاد . وَفِي رِوَايَة : أَرْسَلَ عَلِيًّا وَعَمَّار بْن يَاسِر . وَفِي رِوَايَة : عَلِيًّا وَعَمَّارًا وَعُمَر وَالزُّبَيْر وَطَلْحَة وَالْمِقْدَاد وَأَبَا مَرْثَد - وَكَانُوا كُلّهمْ فُرْسَانًا - وَقَالَ لَهُمْ : ( اِنْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَة خَاخ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَة وَمَعَهَا كِتَاب مِنْ حَاطِب إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَخُذُوهُ مِنْهَا وَخَلُّوا سَبِيلهَا فَإِنْ لَمْ تَدْفَعهُ لَكُمْ فَاضْرِبُوا عُنُقهَا ) فَأَدْرَكُوهَا فِي ذَلِكَ الْمَكَان , فَقَالُوا لَهَا : أَيْنَ الْكِتَاب ؟ فَحَلَفَتْ مَا مَعَهَا كِتَاب , فَفَتَّشُوا أَمْتِعَتهَا فَلَمْ يَجِدُوا مَعَهَا كِتَابًا , فَهَمُّوا بِالرُّجُوعِ فَقَالَ عَلِيّ : وَاَللَّه مَا كَذَبْنَا وَلَا كَذَّبْنَا ! وَسَلَّ سَيْفه وَقَالَ : أَخْرِجِي الْكِتَاب وَإِلَّا وَاَللَّه لَأُجَرِّدَنك وَلَأَضْرِبَن عُنُقك , فَلَمَّا رَأَتْ الْجَدّ أَخْرَجَتْهُ مِنْ ذُؤَابَتهَا - وَفِي رِوَايَة مِنْ حُجْزَتهَا - فَخَلَّوْا سَبِيلهَا وَرَجَعُوا بِالْكِتَابِ إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَأَرْسَلَ إِلَى حَاطِب فَقَالَ : ( هَلْ تَعْرِف الْكِتَاب ؟ ) قَالَ نَعَمْ . وَذَكَرَ الْحَدِيث بِنَحْوِ مَا تَقَدَّمَ . وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّنَ جَمِيع النَّاس يَوْم الْفَتْح إِلَّا أَرْبَعَة هِيَ أَحَدهمْ .

السُّورَة أَصْل فِي النَّهْي عَنْ مُوالَاة الْكُفَّار . وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ فِي غَيْر مَوْضِع . مِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : " لَا يَتَّخِذ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِنْ دُون الْمُؤْمِنِينَ " [ آل عِمْرَان : 28 ] . " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَة مِنْ دُونكُمْ " [ آل عِمْرَان : 118 ] . " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء " [ الْمَائِدَة : 51 ] . وَمِثْله كَثِير . وَذُكِرَ أَنَّ حَاطِبًا لَمَّا سَمِعَ " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا " غُشِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْفَرَح بِخِطَابِ الْإِيمَان .

يَعْنِي بِالظَّاهِرِ ; لِأَنَّ قَلْب حَاطِب كَانَ سَلِيمًا ; بِدَلِيلِ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ : ( أَمَّا صَاحِبكُمْ فَقَدْ صَدَقَ ) وَهَذَا نَصّ فِي سَلَامَة فُؤَاده وَخُلُوص اِعْتِقَاده . وَالْبَاء فِي " بِالْمَوَدَّةِ " زَائِدَة ; كَمَا تَقُول : قَرَأْت السُّورَة وَقَرَأْت بِالسُّورَةِ , وَرَمَيْت إِلَيْهِ مَا فِي نَفْسِي وَبِمَا فِي نَفْسِي . وَيَجُوز أَنْ تَكُون ثَابِتَة عَلَى أَنَّ مَفْعُول " تَلْقَوْنَ " مَحْذُوف ; مَعْنَاهُ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ أَخْبَار رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبِ الْمَوَدَّة الَّتِي بَيْنكُمْ وَبَيْنهمْ . وَكَذَلِكَ " تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ " أَيْ بِسَبَبِ الْمَوَدَّة . وَقَالَ الْفَرَّاء : " تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ " مِنْ صِلَة " أَوْلِيَاء " وَدُخُول الْبَاء فِي الْمَوَدَّة وَخُرُوجهَا سَوَاء . وَيَجُوز أَنْ تَتَعَلَّق بِ " لَا تَتَّخِذُوا " حَالًا مِنْ ضَمِيره . وَبِ " أَوْلِيَاء " صِفَة لَهُ , وَيَجُوز أَنْ تَكُون اِسْتِئْنَافًا . وَمَعْنَى " تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ " تُخْبِرُونَهُمْ بِسَرَائِر الْمُسْلِمِينَ وَتَنْصَحُونَ لَهُمْ ; وَقَالَهُ الزَّجَّاج . الرَّابِعَة : مَنْ كَثُرَ تَطَلُّعه عَلَى عَوْرَات الْمُسْلِمِينَ وَيُنَبِّه عَلَيْهِمْ وَيُعَرِّف عَدُوّهُمْ بِأَخْبَارِهِمْ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ كَافِرًا إِذَا كَانَ فَعَلَهُ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيّ وَاعْتِقَاده عَلَى ذَلِكَ سَلِيم ; كَمَا فَعَلَ حَاطِب حِين قَصَدَ بِذَلِكَ اِتِّخَاذ الْيَد وَلَمْ يَنْوِ الرِّدَّة عَنْ الدِّين .

إِذَا قُلْنَا لَا يَكُون بِذَلِكَ كَافِرًا فَهَلْ يُقْتَل بِذَلِكَ حَدًّا أَمْ لَا ؟ اِخْتَلَفَ النَّاس فِيهِ ; فَقَالَ مَالِك وَابْن الْقَاسِم وَأَشْهَب : يَجْتَهِد فِي ذَلِكَ الْإِمَام . وَقَالَ عَبْد الْمَلِك : إِذَا كَانَتْ عَادَته تِلْكَ قُتِلَ , لِأَنَّهُ جَاسُوس , وَقَدْ قَالَ مَالِك بِقَتْلِ الْجَاسُوس - وَهُوَ صَحِيح لِإِضْرَارِهِ بِالْمُسْلِمِينَ وَسَعْيه بِالْفَسَادِ فِي الْأَرْض . وَلَعَلَّ اِبْن الْمَاجِشُون إِنَّمَا اِتَّخَذَ التَّكْرَار فِي هَذَا لِأَنَّ حَاطِبًا أَخَذَ فِي أَوَّل فِعْله . وَاَللَّه أَعْلَم

فَإِنْ كَانَ الْجَاسُوس كَافِرًا فَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ : يَكُون نَقْضًا لِعَهْدِهِ . وَقَالَ أَصْبَغ : الْجَاسُوس الْحَرْبِيّ يُقْتَل , وَالْجَاسُوس الْمُسْلِم وَالذِّمِّيّ يُعَاقَبَانِ إِلَّا إِنْ تَظَاهَرَا عَلَى الْإِسْلَام فَيُقْتَلَانِ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى بِعَيْنٍ لِلْمُشْرِكِينَ اِسْمه فُرَات بْن حَيَّان , فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُقْتَل ; فَصَاحَ : يَا مَعْشَر الْأَنْصَار , أُقْتَل وَأَنَا أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه ! فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَلَّى سَبِيله . ثُمَّ قَالَ : ( إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ أَكِلهُ إِلَى إِيمَانه مِنْهُمْ فُرَات بْن حَيَّان ) . وَقَوْله : " وَقَدْ كَفَرُوا " حَال , إِمَّا مِنْ " لَا تَتَّخِذُوا " وَإِمَّا مِنْ " تَلْقَوْنَ " أَيْ لَا تَتَوَلَّوْهُمْ أَوْ تُوَادُّوهُمْ , وَهَذِهِ حَالهمْ . وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيّ " لَمَّا جَاءَكُمْ " أَيْ كَفَرُوا لِأَجْلِ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقّ .

" يُخْرِجُونَ الرَّسُول " اِسْتِئْنَاف كَلَام كَالتَّفْسِيرِ لِكُفْرِهِمْ وَعُتُوّهُمْ , أَوْ حَال مِنْ " كَفَرُوا " . " وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ رَبّكُمْ " تَعْلِيل ل " يُخْرِجُونَ " الْمَعْنَى يُخْرِجُونَ الرَّسُول وَيَخْرُجُونَكُمْ مِنْ مَكَّة لِأَنْ تُؤْمِنُوا بِاَللَّهِ أَيْ لِأَجْلِ إِيمَانكُمْ بِاَللَّهِ . قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَكَانَ حَاطِب مِمَّنْ أُخْرِجَ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَقِيلَ : فِي الْكَلَام تَقْدِيم وَتَأْخِير , وَالتَّقْدِير لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوّكُمْ أَوْلِيَاء إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ مُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِي . وَقِيلَ : فِي الْكَلَام حَذْف , وَالْمَعْنَى إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي , فَلَا تُلْقُوا إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ .

قِيلَ : " إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي " شَرْط وَجَوَابه مُقَدَّم . وَالْمَعْنَى إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي فَلَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوّكُمْ أَوْلِيَاء . وَنُصِبَ " جِهَادًا " و " اِبْتِغَاء " لِأَنَّهُ مَفْعُول . وَقَوْله : تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ " بَدَل مِنْ " تُلْقُونَ " وَمُبِين عَنْهُ . وَالْأَفْعَال تُبَدَّل مِنْ الْأَفْعَال , كَمَا قَالَ تَعَالَى : " وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَف لَهُ الْعَذَاب " [ الْفُرْقَان : 68 - 69 ] . وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ : مَتَى تَأْتِنَا تُلْمِمْ بِنَا فِي دِيَارنَا تَجِد حَطَبًا جَزْلًا وَنَارًا تَأَجَّجَا وَقِيلَ : هُوَ عَلَى تَقْدِير أَنْتُمْ تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ , فَيَكُون اِسْتِئْنَافًا . وَهَذَا كُلّه مُعَاتَبَة لِحَاطِبٍ . وَهُوَ يَدُلّ عَلَى فَضْله وَكَرَامَته وَنَصِيحَته لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِدْق إِيمَانه , فَإِنَّ الْمُعَاتَبَة لَا تَكُون إِلَّا مِنْ مُحِبّ لِحَبِيبِهِ . كَمَا قَالَ : أُعَاتِب ذَا الْمَوَدَّة مِنْ صَدِيق إِذَا مَا رَابَنِي مِنْهُ اِجْتِنَاب إِذَا ذَهَبَ الْعِتَاب فَلَيْسَ وُدّ وَيَبْقَى الْوُدّ مَا بَقِيَ الْعِتَاب وَمَعْنَى " بِالْمَوَدَّةِ " أَيْ بِالنَّصِيحَةِ فِي الْكِتَاب إِلَيْهِمْ . وَالْبَاء زَائِدَة كَمَا ذَكَرْنَا , أَوْ ثَابِتَة غَيْر زَائِدَة .

" بِمَا أَخْفَيْتُمْ " أَضْمَرْتُمْ " وَمَا أَعْلَنْتُمْ " أَظْهَرْتُمْ . وَالْبَاء فِي " بِمَا " زَائِدَة ; يُقَال : عَلِمْت كَذَا وَعَلِمْت بِكَذَا . وَقِيلَ : وَأَنَا أَعْلَم مِنْ كُلّ أَحَد بِمَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ , فَحُذِفَ مِنْ كُلّ أَحَد . كَمَا يُقَال : فُلَان أَعْلَم وَأَفْضَل مِنْ غَيْره . وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : وَأَنَا أَعْلَم بِمَا أَخْفَيْتُمْ فِي صُدُوركُمْ , وَمَا أَظْهَرْتُمْ بِأَلْسِنَتِكُمْ مِنْ الْإِقْرَار وَالتَّوْحِيد .

أَيْ مَنْ يُسِرّ إِلَيْهِمْ وَيُكَاتِبهُمْ مِنْكُمْ

أَيْ أَخْطَأَ قَصْد الطَّرِيق .

كتب عشوائيه

  • الإيمان باليوم الآخرالإيمان باليوم الآخر : يتناول هذا الكتاب الحديث عن الحياة البرزخية والروح، ثم أشراط الساعة، ثم أحوال اليوم الآخر مما سيكون من قيام الساعة ومابعد ذلك.

    المؤلف : محمد بن إبراهيم الحمد

    الناشر : موقع دعوة الإسلام http://www.toislam.net

    المصدر : http://www.islamhouse.com/p/172703

    التحميل :

  • الارتقاء بالكتابةالارتقاء بالكتابة : بيان كيفية الكتابة، وأدواتها، وسبل الترقي فيها.

    المؤلف : محمد بن إبراهيم الحمد

    الناشر : موقع دعوة الإسلام http://www.toislam.net

    المصدر : http://www.islamhouse.com/p/172588

    التحميل :

  • مصحف المدينة برواية ورشتحتوي هذه الصفحة على نسخة مصورة pdf من مصحف المدينة النبوية برواية ورش عن نافع.

    الناشر : مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف www.qurancomplex.com

    المصدر : http://www.islamhouse.com/p/5267

    التحميل :

  • التحجيل في تخريج ما لم يخرج من الأحاديث والآثار في إرواء الغليلالتحجيل في تخريج ما لم يخرج من الأحاديث والآثار في إرواء الغليل: هو مستدرك قام فيه الشيخ - حفظه الله - بتخريج الأحاديث والآثار التي لم يحكم عليها العلامة الألباني - رحمه الله - في كتابه: «إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل».

    المؤلف : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي

    الناشر : شبكة الألوكة http://www.alukah.net

    المصدر : http://www.islamhouse.com/p/314984

    التحميل :

  • مطوية الدعاء من الكتاب والسنةمطوية الدعاء من الكتاب والسنة: فهذه أدعية جامعة نافعة، اختصرها المؤلف - حفظه الله - من كتابه: «الدعاء من الكتاب والسنة».

    المؤلف : سعيد بن علي بن وهف القحطاني

    الناشر : المكتب التعاوني للدعوة وتوعية الجاليات بالربوة http://www.IslamHouse.com

    المصدر : http://www.islamhouse.com/p/339731

    التحميل :

اختر التفسير

اختر سوره

كتب عشوائيه

اختر اللغة

المشاركه

Bookmark and Share